قبل أشهر، أوقفت عناصر استخبارات الجيش اللبناني الشيخ سراج الدين زريقات بتهمة القيام بنشاطات إرهابية. لم يمكث الشيخ زريقات موقوفاً أكثر من ساعات. تُرك بعدها حُرّاً نتيجة تدخلات سياسية كبيرة لصالحه، أبرزها كانت وساطة مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني شخصياً الذي اتصل من تركيا بقائد الجيش العماد جان قهوجي، معرباً عن استنكاره لتوقيف الشيخ الزريقات دونما اعتبار لدار الفتوى كمرجعية ولكرامة العمّة التي يعتمرها الشيخ الموقوف. إثر ذلك، أُخلي سبيله ليعود إلى منزله كأن شيئاً لم يكن. اختفى الشيخ منذ ذلك الحين، قبل أن يظهر أمس في تسجيل لكتائب عبد الله عزام.
عملية التوقيف منحت الشيخ زريقات زخماً قوياً وسط مريديه. لم يوقف أيّاً من نشاطاته، حاله كحال أجهزة الاستخبارات التي كانت ترصده. وبذلك أُعدّ ملفّ أمنيّ كامل حول ارتباطاته بحركة الجهاد العالمي المتمثلة بتنظيم القاعدة وكتائب عبد الله عزّام التابع له. أُبقيت هذه المعلومات قيد الأدراج المغلقة لدى كل من استخبارات الجيش وفرع المعلومات. الأول كان يرصد من بعيد متحيّناً الفرصة الملائمة، أما الثاني فأجندة فريقه السياسي كانت تفرض عليه غضّ البصر وعدم التدخّل، ربما إلى أجلٍ غير مسمّى.
وفي المعلومات المتوافرة حول الشيخ زريقات المقيم في منطقة الطريق الجديدة سابقاً، فإن الأخير كان يعمل في مجال التسجيلات الدينية ويملك محلاً لبيع الأجهزة الخلوية. وتفيد المصادر الأمنية بأن زريقات كان ضالعاً في تجنيد شبّان لإرسالهم للخضوع لدورات عسكرية في كل من العراق وأفغانستان. وتُشير إلى أن الأخير كان يُرسلهم للتدرّب والقتال في أفغانستان عبر تركيا بواسطة أحد الجهاديين الأتراك الذي يُعرف باسم «عُمر»، علماً بأن إيران تمكنت من توقيف عدة أشخاص منهم كانوا يُحاولون العبور عبر أراضيها باتجاه أفغانستان. وتكشف المصادر أن الشيخ زريقات الذي كان يتردد إلى عدد من المساجد، أبرزها في رأس النبع، كان بارعاً في مجال الاتصالات ويتمتع بقدرات فنية عالية. وتذكر المصادر أن مراقبة الشيخ زريقات بدأت قبل أشهر من بدء الأحداث في سوريا، لافتة إلى أن خطورته كانت تكمن في كونه ينشط سرّاً بعيداً عن الإعلام. ورغم صغر سنّه، إلا أن الشيخ كان يتمتع بكاريزما وقوّة شخصية تشدّ إليه كثيرين. في موازاة ذلك، تُلمح مصادر أمنية إلى احتمال تورّطه بالإعداد لاستهداف العميد عباس ابراهيم أثناء خدمته في الجيش اللبناني، إلا أن مصادر أمنية أخرى تنفي هذه الفرضية، مشيرة إلى أنه لو صحّ ذلك لما تمكن أحد من إطلاقه.
ويوم أمس، أصدرت «كتائب عبد الله عزام» التابعة لتنظيم «القاعدة» الأصولي تسجيلاً مصوّراً للشيخ سراج الدين زريقات بعنوان «دفع المظالم». وأرفقه بجمل تعريفية تفيد بأن «الشيخ هو أحد خطباء صلاة الجمعة في مساجد بيروت، مكلف من دار الفتوى اللبنانية، وأحد الدعاة العاملين، كان له دور في نصرة الثورة السورية، وتعرض للتوقيف والمتابعة والضغط الشديد من مخابرات الجيش وأجهزة الدولة، حتى اضطر إلى ترك أهله وبلده مهاجراً إلى الله بدينه». وتطرق الشيخ في تسجيل مدته 23 دقيقة إلى أحداث السابع من أيار، مهاجماً حزب الله الذي سماه «حزب حسن»، مشيراً إلى أن «الحزب فعل كل ذلك لا لشيء إلا لأننا أبناء السنة». كما تحدث عن مضايقات كان يتعرّض لها من استخبارات الجيش دفعت به إلى «ترك الدنيا وما فيها، مهاجراً إلى الله تعالى». كما تطرّق إلى الموقوفين بتهم الإرهاب قائلاً: «من ضرب اليهود تهمته الإرهاب، ومن تجهز لقتال إسرائيل تهمته الإرهاب، ومن ملك قطعة سلاح في منزله تهمته الإرهاب إذا كان من أهل السنة». لقد ركّز الشيخ زريقات على مظلومية طائفة السنة، متبعاً نهج كتائب عبد الله عزام في التركيز على هذا الجانب لـ«إظهار هيمنة حزب الله الشيعي على السنة المستضعفين». كما دعا إلى الاستعداد للأيام المقبلة، «فما هو قادم على الشام يجعل الحليم حيران والولدان شيباً».
من جهتها، أبدت مصادر في دار الفتوى صدمتها من التسجيل المصوّر الذي ظهر فيه الشيخ زريقات. فقد أعاد المسؤول الإعلامي في دار الفتوى الشيخ شادي المصري سرد مجريات حادثة التوقيف، فأشار إلى أن عائلة الشيخ الموقوف في حينه لجأت إلى دار الإفتاء لـ«التوسط لإطلاق سراح ابننا الذي أوقف ظُلماً وعدواناً»، زاعمةً أن الأخير كان يتعرّض لمضايقات من جهاز استخبارات الجيش بفعل نشاطاته الداعمة للثورة السورية. وأضاف الشيخ المصري إن المفتي محمد رشيد قباني اتّصل من تركيا بقائد الجيش مستنكراً توقيفه من دون الرجوع إلى دار الإفتاء. وأفاد الشيخ المصري بأن المفتي كان حاسماً بأنه يرفض التوقيف «إذا لم يكن مبنياً على أدلة دامغة وليس قرائن وهواجس»، مشيراً إلى أنه من تولّى نقل زريقات من وزارة الدفاع إلى منزله بعد إطلاق سراحه. وتعليقاً على الفيديو المصوّر الذي ظهر فيه الشيخ زريقات، أشار المصري إلى أن دار الفتوى تقف إلى جانب أبنائها ضمن غطاء القانون، مؤكداً أنها لا تُوفّر الغطاء للخارجين على القانون أمثال الشيخ الزريقات. وردّاً على المواقف التي أطلقها زريقات، قال الشيخ المصري: «نحن مع الجيش ولدينا خطوط حمراء».