غداً يوم آخر. يجب أن يكون يوماً آخر. منطق الحياة يفرضه يوماً آخر. المصابون بالضربة والفاجعة يريدونه يوماً آخر. وقاتل وسام الحسن يريده يوماً آخر. وخطاب الرئيس فؤاد السنيورة كان واضحاً في أن غداً يوم آخر. وردود الفعل المكتومة عند خصومه السياسيين تدل، أيضاً، على أننا حتماً أمام يوم آخر! ولأن الأمور تقال بصراحة، فلتكن مقاربة الحدث بالصراحة نفسها. نعم، كان وسام الحسن ضابطاً في قوى الأمن الداخلي. قام بأشياء كثيرة لخدمة مواطنين في بلده. ونجح في تطوير جهاز يمكن اللبنانيين أن يستفيدوا منه كثيراً إذا أحسنوا حفظه وتطويره. لكن وسام الحسن كان، أيضاً، سياسياً منضوياً في مشروع سياسي يتجاوز حدود لبنان. كان في قلب آلية عمل تتصل بالصراع في المنطقة وحولها في العالم. كان واحداً من فريق أمني ــــ سياسي يخوض اليوم أعنف المعارك في وجه النظام في سوريا، وفي وجه حلفاء هذا النظام، في سوريا نفسها، وفي لبنان والعراق والخليج وصولاً إلى إيران وروسيا. ومن الغباء، لا بل من الحرام، تصوير جريمة اغتيال الحسن على أنها عملية أمنية ــــ سياسية لأهداف محلية. ولأن العدالة تقوم على قوانين وبيّنات وأحكام وإدانات، فإن كل لغط حول الجهة المنفّذة لا ينفع الآن. وإلى أن تصدر جهة قضائية لا تديرها الولايات المتحدة حكمها، فكل الكلام الآن يندرج فقط في إطار اللعبة السياسية الداخلية.
مشكلة فريق 14 آذار أنه لا يريد الأخذ بالوقائع الصلبة. يستعجل أغبياؤه والوصوليون فيه تحصيل أثمان على شكل مواقع سلطوية، يغفلون أنه لا مجال لها من دون تسوية في المنطقة. وكأن هؤلاء لا يعرفون أن حكومة نجيب ميقاتي ما كانت لتقوم لولا موافقة الولايات المتحدة عليها، وأن نجيب ميقاتي نفسه لم يكن ليقبل تولي المنصب، إلا بعدما سمع دعماً من جهات في الغرب، ولاممانعة من جهات عربية. وهو اليوم، وإن كان على المستوى الشخصي في وارد الاستقالة، إلا أنه لن يقدم على هذه الخطوة إلا في حال تبلّغ من الجهات العربية والغربية نفسها القرار بالانسحاب، وهو ما لم يحصل حتى الآن.
في حالتنا اليوم، على فريق 14 آذار أن يتوقف عن «بلف» جمهوره. فشعار إسقاط الحكومة ليس أمراً جديداً. هو ليس شعاراً وليد الحدث الكبير. بل هو الشعار والهدف نفساهما اللذان يعمل عليهما هذا الفريق منذ اليوم الأول لإخراج سعد الحريري من الحكم. وربما من المفيد أن يقال في وجه هؤلاء: عيب عليكم أن تردوا الجميل لوسام الحسن بالعودة الى دفاتركم القديمة. لكن الذي حصل يعني أمراً واحداً: ضائقة في كل شيء، في العقل وفي التفكير وفي التخطيط وفي الخيال، وفي القراءة وفي التنفيذ أيضاً... ومع الأسف، لم يخطر في بال جهابذة هذا الفريق سوى الدعوة إلى إعدام نجيب ميقاتي في ساحة رياض الصلح... هل فكّر هؤلاء الصبية ــــ الذين يكثرون من مشاهدة الرسوم المتحركة التي يتحول فيها الفأر إلى فيل ــــ لو أن ميقاتي كان موجوداً في السرايا، وحصل أن أتيح للمتظاهرين الدخول إليها وحرقها، وقتل من قتل؟ هل كان هؤلاء يخططون لقتل ميقاتي جسدياً؟ هذا على الأقل ما سمعناه من «جعيرهم» على المنابر.
فليراجع فريق 14 آذار كل سياساته وليقرأ جيداً، وليريح الناس من جيل «تايواني» من المتحدثين باسمه، مثل أولئك الذين يقلّدون سمير قصير وجبران تويني، ويخرجون علينا يكرّرون كلاماً ممجوجاً مملاً ليس فيه أي معنى غير الحقد. وليراجع هؤلاء حساباتهم، ولتكن عندهم الجرأة لمراجعة ما قاموا به منذ سبع سنوات إلى اليوم، ليدركوا أنهم يسيرون في طريق الخطأ التي تقود فقط إلى الهاوية.
عدا عن ذلك، ربما من المفيد لفت انتباه هؤلاء إلى أن صمت الجمهور في الجهة المقابلة ليس إلا تعبيراً عن احترام لحرمة الموت. وليس فيه تخاذل ولا خوف من «الصلبان المشطوبة»، ولا من الشتّامين والشتّامات العنصريين والعنصريات، بل من الضروري أن يعرف فريق 14 آذار، بوجوهه التقليدية، وناطقيه من حاملي ثقافة الاستئصال والإقصاء، أن البلاد تغيّرت، وأن المنطقة تغيّرت، وأن الناس تغيّرت.
هل يعي هؤلاء فعلياً معنى أن غداً هو يوم آخر؟ وأن اليوم الآخر يختلف جذرياً عن اليوم الأخير؟ وأن أي تبدل في الموقف أو في السلوك لا يغيّر في أصل الحقائق؟ أليس فريق 14 آذار من يذكّرنا كل يوم بأن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء، فكيف به اليوم يريدنا أن نعود بالزمن سبع سنوات إلى الخلف، بما فيها من غباء وطيش واستقواء بالخارج على أهل البلد كما حصل في تموز 2006؟
كل هذا الصراخ لن ينفع. ومهما أجدتم فن رقص الغربان فوق الجثة، فلن يكون في مقدوركم إعادتنا إلى زمن الصمت على جرائم تقومون بها كل يوم. لقد صرتم من الماضي، أنتم وكل شيء فيكم.
الحقيقة الصلبة هي أن وسام الحسن سقط في معركة مفتوحة كان هو جزءاً منها. هذه حقيقة قاسية، ولكنها حقيقة ثابتة. كل الذين عرفوه وعملوا معه أو بالقرب منه كانوا يعرفون أنه في خطر، وأنه كان يعي ما يقوم به، وكان يدافع عن خياراته. وكان يعرف أن حياته عرضة للتوقف في كل لحظة. ومن يُرد متابعة مسيرته، فليفعل ذلك بالطريقة التي يريد، لكن من دون تحميل بقية اللبنانيين ثمن خيارات خاطئة.