«اختار الروح القدس أمس مطران أوروبا يوحنا اليازجي (مواليد عام 1955) بطريركاً لكنيسة أنطاكيا الأرثوذكسية». ولو شُغل بعض المطارنة بالصلاة عن حملاتهم الانتخابية لسمعوا ربما صوت الروح القدس يحثّهم على الانسحاب لمصلحة اليازجي بدل استمرارهم بالترشح حتى خيّب الروح القدس آمالهم بتفضيله غيرهم عليهم.
أول من أمس تغدّى البطريرك يوحنا اليازجي على مائدة مطران المكسيك أنطونيوس الشدراوي. سمعه يخبر عن ترشحه وخططه الكنسية في حال فوزه من دون أن يبادله الإفصاح عن نيّاته وما ينتظره منه. وهكذا نام الشدراويّ ليلته بطريركاً من دون أن تضطره حساباته إلى الإفراط في الصلاة. وقد استيقظ المطارنة على استقرار مفترض في شكل المجموعتين المتنافستين؛ واحدة ترشح مطران حوران سابا أسبر وتضمن الفوز بستة أصوات، وأخرى ترشح الشدراوي وتضمن ستة أصوات، مع أرجحية لنفوذ الشدراوي بين المطارنة الستة المتبقين.
لكن ما كاد المجمع يلتئم حتى «بدأ الروح القدس» يفعل بالمجتمعين أفعاله، كما تفضل «المصادر الكنسية» القول. اقترح عراب ترشيح أسبر أن يعدل المجمع النظام الأساسي للكرسي الأنطاكي الصادر عام 1973، بحيث يتاح الترشح للمطارنة الذين لم تمض خمس سنوات بعد على تسليمهم أبرشيات. وهكذا، بات يمكن المطران يوحنا اليازجي الذي انتخب ميتروبوليتاً عام 2008 الترشح، مع العلم بأن تعديل أمس كما تعديلات أخرى سبقته هو موضع نقاش قانوني بين أبناء الكنيسة الأرثوذكسية، بلغ في بعض جوانبه المحاكم. ولم تلبث مفاجأة الشدراوي الأولى أن استتبعت بمفاجأة إضافية، فبعض المطارنة ممن كان يعتبرهم إلى جانبه انتقلوا إلى جانب اليازجي.
هكذا فاز في الانتخاب الأول الذي يحدد هوية المرشحين الثلاثة إلى موقع البطريرك، كل من مطران حوران سابا أسبر، مطران المكسيك أنطونيوس الشدراوي ومطران أوروبا الوسطى والغربية يوحنا اليازجي. وبموازاة تجيير سابا الجزء الأكبر من كتلة ناخبيه لليازجي، ضمن الأخير تأييد عدة مطارنة كانوا سيصوتون للشدراوي، أهمهم: شقيق البطريرك الجديد مطران حلب الذي سبق أن انسحب ترشيحياً للشداروي بولس اليازجي، خاله مطران الأرجنتين سلوان موسي، صديقه المطران غطاس هزيم ووالده الروحي المطران يوحنا منصور الذي سبق أن رسمه شماساً عام 1979 ثم كاهناً عام 1983 في أبرشية اللاذقية.
وتكون المجموعة الأولى التي كان أسبر مرشحها المعلن والمطران جورج خضر محركها قد استقطبت عبر التعديل أولاً وترشيح اليازجي ثانياً أربعة أصوات تعدّ أقرب إلى التكتل الانتخابي الآخر. ولو علمت المجموعة الأخرى بما يخبّأ لها لكانت عرقلت تعديل القانون أولاً، ورشحت ثانياً المطران يوحنا اليازجي الذي كان حتى انسحابه لمصلحة الشداروي من أبرز المرشحين المناوئين لأسبر، لتشهد الكنيسة الأرثوذكسية بذلك تنافساً غير مسبوق بين شقيقين للفوز بالكرسي الأنطاكي. ويمكن القول بالتالي إن الشدراوي ومجموعته قد خدعوا حين ظنوا أن أسبر مرشح المطران جورج خضر الوحيد، فأجرى حساباته والمطران بولس اليازجي على هذا الأساس. وبغض النظر عن التركيبة الانتخابية الذكية ومن يقف خلفها، نجح مطران جبل لبنان جورج خضر للمرة الثانية على التوالي في إيصال بطريرك يمكن حركة الشبيبة الأرثوذكسية القول إنه أحد متخرّجيها.
والبطريرك الجديد راهب كان يسكن في شقة صغيرة في العاصمة الفرنسية منذ أربع سنوات لأن مطرانيته لم تعمّر بعد، وقد استأجر أخيراً كنيسة ليقيم في إحدى أوروبيتيه قداساً أرثوذكسياً. أما في كلمته الأولى بطريركاً، فأكد المتخرّج في المعاهد اليونانية ورئيس دير سيدة البلمند البطريركي بين عامي 2001 و2005 أن «المسيحيين باقون في سوريا والأرض أرضهم»، مطالباً بالحوار لحل الأزمات، مع تأكيد بعض عارفيه سياسياً أن مواقف أسقف وادي النصارى السابق السياسية لن تتجاوز السقف المنخفض الذي رسمه البطريرك هزيم لمواقفه، وسيكتفي غالباً بتوجيه النصائح الأبوية للمتصارعين أن يحب بعضهم بعضاً أكثر قليلاً، مفضّلاً الصلاة والصوم والترتيل والكتابات الدينية على أي شيء آخر.