تؤكد مصادر خليجية وثيقة الاطّلاع أنّ «إجماعاً خليجياً قد حصل على استعداء إيران، في خطوة استباقيّة هدفها الأساس الحؤول دون أي دور إيراني في منطقة الخليج». وتضيف إنه «رغم تأكد العواصم الخليجية، ومعها الولايات المتحدة، من عدم وجود أي دليل يربط إيران بأي من الاضطرابات التي حصلت في الخليج، فهي تعتقد أن مجرد السماح بخروج طهران من دائرة الاتهامات في أحداث البحرين، سيجعلها طرفاً في أي تسوية تحصل في الخليج»، مشيرةً إلى أن «هذا ما يفسر انقلاب الجميع، وبينهم (رئيس حكومة تصريف الأعمال) سعد الحريري على إيران».
على أن اللافت هو تأكيد المصادر أنّ «ولي عهد البحرين شرح باستفاضة لأمير الكويت، في جلسة جمعتهما مع وجهاء الشيعة في الإمارة، عدم وجود أي علاقة بين طهران واضطرابات البحرين. كذلك فعل ملك البحرين في خلال لقائه وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي»، وذلك رغم نفي وزير الخارجية البحريني لهذه المعلومات، علماً بأن وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس كان قد أعلن صراحةً أنه ليس لدى بلاده أي مؤشرات على دور إيراني في أحداث البحرين.
وتكشف هذه المصادر السالفة الذكر أنّ «قراراً خليجياً قد اتُّخذ بالضغط على جامعة الدول العربية لمنع انعقاد القمة المقبلة في بغداد، وذلك رداً على تهديدات أطلقها رئيس وزراء العراق نوري المالكي ضد الدول الخليجية على خلفية أحداث البحرين، هددها فيها بحرب طائفية». وتضيف إن «قراراً سعودياً قد اتخذ بمنع سقوط أي نظام خليجي»، مشيرةً إلى أن «المبادرة التركية حيال البحرين، التي تنص على العودة بالوضع إلى ما قبل الاضطرابات مع الاستعداد لقبول أي شيء دون الملكية الدستورية وإبقاء منصب رئاسة الحكومة بيد العائلة المالكة، رُفضت لأن أساسها إيراني. ورأى مجلس التعاون أن قبول هذه المبادرة يعني اعترافاً خليجياً بدور إيراني في الخليج».
كذلك الأمر بالنسبة إلى «حفلة الردح» بين وزيري خارجية إيران علي أكبر صالحي والسعودية سعود الفيصل. وتوضح المصادر أن «صالحي يجري اتصالات مع أطراف خليجية وغير خليجية لدعوة السعودية إلى العقلانية والتحاور مع المعارضة في السعودية والبحرين. الرياض ترى أن قبول مجلس التعاون دعوات كهذه يعني اعترافاً أيضاً بالدور الإيراني».
وتقول هذه المصادر «من هنا يمكن فهم البيان القاسي الذي خرج من مجلس التعاون أخيراً بحق إيران. هو استعداء استباقي لمنع أيّ تدخل إيراني في الخليج، اضطرت جميع دول مجلس التعاون إلى السير فيه، حتى تلك التي تربطها علاقات جيدة بطهران». وتستطرد هذه المصادر بالقول إن «السعودية تقف بكل قوتها في هذا الاتجاه»، مشيرةً إلى أن «الملك عبد الله لا يزال موجوداً، لكنّ نفوذه يتقلص. الكلمة النهائية لوزير الداخلية الأمير نايف الذي يقرر السياسات الكلية»، كاشفةً عن أن «الأمير بندر بن سلطان ونائب وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان هما من دفعا الحريري إلى الالتحاق بجوقة استعداء إيران».

قطر و«حق الرد»

وبالحديث عن الاصطفاف الخليجي، لا بد من الإشارة إلى حالة قطر، بالنظر إلى حراكها المتماهي مع السياسة السعودية في البحرين، وموقفها الملتبس والأقرب الى السلبية في متابعة أحداث سوريا. وتقول مصادر وثيقة الاطلاع إن «موقف قطر يمكن فهمه في سياق الكلام عن مشروع تفاهم بين الولايات المتحدة والإخوان المسلمين، وإن هذا المشروع ساعد على إلغاء أي تمايز كان موجوداً داخل الإمارة، بين المؤيد والمتحفظ على العلاقة مع الغرب، ويجري التعامل مع مواقف الشيخ يوسف القرضاوي على أنها انعكاس لهذا التطور».

أردوغان السنّي

ولعل إحدى المحطات المهمّة في حراك المنطقة، تلك الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق، حيث التقى رئيس الوزراء نوري المالكي، والمرجع الشيعي آية الله علي السيستاني.
وفي حفل العشاء الذي أقيم على شرف الضيف التركي في بغداد، «سعى أردوغان إلى أن يقدم نفسه ممثلاً للسنّة في المنطقة، وأن يضع سنّة العراق في مقابل شيعة البحرين»، على ما تفيد أوساط المالكي، التي تضيف «بادر بالحديث عن وضع سنّة العراق»، مشيراً إلى أنهم بحاجة إلى أن يحصلوا على حقوقهم، فسارع المالكي إلى التصدي له بالقول: «تتحدث عن سنّة العراق، وكم نسبتهم؟ 10، 20 في المئة؟ لديهم رئيس برلمان ونائب رئيس مجلس وزراء ونحو ثلث البرلمان. لماذا لا تتحدث عن شيعة البحرين ونسبتهم 80 في المئة، أليس لهم وزن في الحكم؟». وأضاف المالكي، بحسب أوساطه، «أنت تريد أن تتعامل مع الجميع على أنك وريث العثماني وهذا حقك، لكن ليس من منطلق طائفي. تدعم المطالب المحقة للشعوب في العالم العربي كله، وعندما تصل إلى البحرين تتوقف. السعودية اندفعت إلى البحرين من منطلقات مصلحية ومذهبية. إن كنت تريد أن تتدخل في هذا الملف فعليك أن تفعل هذا كمسلم، وإلّا تكفينا السعودية».
عندها بادر أردوغان المالكي ـــــ يضيف الرواة ـــــ الى القول «ها أنت تتصرف كشيعي»، فرد رئيس الوزراء العراقي «لو كنت شيعياً لما ضربت البصرة ولا مدينة الصدر، وهؤلاء إخوتي وقومي. لو أنّه عندي أي خلفيات طائفية لكان من المستحيل أن أقضي عليهم. إن كنت تريد أن تتعامل على هذا النحو، نضع يدنا بيدك. لا نريد توتيراً. صحيح هناك طائفية عند الشيعة، لكنه سلوك مدان من جميع مراجعهم».
وفي سياق الحديث، على ما تفيد المصادر نفسها، طُرح موضوع التظاهرات في سوريا، فقال أردوغان «إنه طلب من الأسد رزمة إصلاحات لم ينفذها »، مشيراً إلى أنه «سيواصل الضغط عليه لتحقيقها»، فرد المالكي إن «الأسد أدرى بشؤون بلاده وشجونها، وإنه هو وحده يقرر ماذا يفعل وفي أي توقيت».
وأيضاً، في زيارة أردوغان للمرجع السيستاني جرى الحديث عن البحرين ومياه دجلة والفرات وكركوك وتطرقا إلى الموضوع السوري. وما إن تحدث أردوغان عن «حقوق الشيعة في البحرين حتى سارع السيستاني إلى سؤاله عن سبب الحديث من منطلق طائفي»، مشيراً إلى أنه «يتكلم عن حقوق مواطنة». وتضيف المصادر إنه «لمّا وردت كلمة سوريا على لسان أردوغان، اكتفى السيستاني بالقول إن لكل بلد ظروفه».

دعم من السليمانية وأربيل

لم يقتصر الدعم العراقي لنظام الرئيس بشار الأسد على المالكي وصحبه، بل تعداه إلى السليمانية، حيث عمل الرئيس جلال الطالباني جاهداً، من خلال عشائر أكراد العراق التي لها امتدادات في سوريا على الضغط من أجل تحييد أكراد سوريا عن أي اضطرابات ممكنة وذلك من خلال تفاهم، أسهم في التوصل إليه أيضاً رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني، بينهم وبين النظام. وتفيد المعلومات بأن البرزاني سيقوم قريباً بزيارة دمشق للقاء الرئيس الأسد الذي قونن التفاهم المشار إليه بمرسوم تجنيس الأكراد، كما حضر مندوب عنه، للمرة الأولى، احتفالاتهم بعيد النوروز.

«الإخوان» في تركيا

حديث أردوغان في بغداد والنجف لم يكن معزولاً عن سياق عام تكشّف شيئاً فشيئاً. وتقول مصادر قريبة من دمشق إن «القيادة السورية أدركت، ولو متأخراً، أن حركة الاحتجاج التي ضربت سوريا أخيراً إنما كانت منظمة ومنسقة من الإخوان المسلمين، وأن بعض هؤلاء يتحرك من مقر إقامته في تركيا»، إشارة الى استضافة السلطات التركية مراقب عام الإخوان المسلمين في سوريا، رياض الشقفة، في إسطنبول، حيث عقد مؤتمراً صحافياً هاجم في خلاله الأسد. وتؤكد المصادر أن «السلطات السورية تملك من الأدلة الملموسة من تسجيلات ومراسلات ومعلومات ما يقطع أي شك بهذه الخلاصة، وإن كان نشرها لم يحن توقيته بعد، من بينها إذاعة قدمتها تركيا إلى إخوان سوريا الذين يبثون من خلالها مواد إعلامية معارضة لنظام الأسد».
ولعل اطمئنان المصادر إلى أن «البراغماتية التركية» في التعامل مع الملف السوري لن تطاول العلاقات الاستراتيجية بين النظامين يعود إلى «مصالح بعشرات مليارات الدولارات تربط تركيا بكل من إيران والعراق وسوريا يرجّح ألا تتخلى أنقرة عنها بسهولة». وتقول المصادر القريبة من دمشق إن الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو إلى دمشق «كانت إيجابية جداً، وقد أوضح للسوريين أن الخطوات التركية في سوريا جاءت لاستيعاب الإخوان المسلمين، لا من أجل إثارة فتنة، ولا الإضرار باستقرار سوريا»، مشيرة إلى أن «السلطات السورية اعتقلت إسلامياً سورياً يدعى أحمد عبد الله في بانياس اعترف بتلقّيه أموالاً من جهات لبنانية، وستعرض قريباً اعترافاته المصوّرة على التلفزيون».

طهران والدعم غير المشروط

وتبقى طهران مربط الفرس. دول الخليج تتّحد ضدها، وتسعى إلى أن تفرض عليها معادلة «شيعة البحرين في مقابل سنّة العراق»، في ظل حديث عن أن «أمن سوريا من أمن الخليج»، وسط صمت رسمي إيراني مطبق عن كل ما يجري في سوريا.
مصادر قريبة من أروقة صناعة القرار في طهران تؤكد أنه «لا صمت في الموقف من الرئيس بشار الأسد، بل تشاور دائم ومستمر. لا شك في أن موقفنا إلى جانب سوريا وإلى جانب بشار الأسد». وتضيف إن «هناك خطة إقليمية دولية، تطبّق من بوابة الأردن بمشاركة من الجناح المتشدد في السعودية وأداته بندر من أجل عسكرة فضاء الاحتجاجات في سوريا لضرب عملية الإصلاح التي يقوم بها الرئيس الأسد». وتتابع «إنها خطة منظمة لا يمكن طهران أن تقبلها للحليف الأسد، وسنقف إلى جانب سوريا بصفتها دولة ممانعة ومقاومة». أما في ما يتعلق بحركة الاحتجاجات السورية، «فهي شأن داخلي لا نتدخل فيه».
وترى هذه المصادر أن من «يروّج لمقولة أمن سوريا من أمن الخليج يريد ضرب الاثنين، وهذا أمر لن نقبله. نحن مع ضبط النفس في كل مكان»، مشيرةً إلى «وجوب التفريق بين المطالب المشروعة للشعوب في كل مكان، حيث على أهل الدار أن يتعاملوا معها كلّ على طريقته».
وتؤكد هذه المصادر أن «طهران لن تدخل سوريا أبداً في أيّ مغامرة فيها مخاطرة بالنظام السوري الذي نعدّه حليفاً استراتيجياً»، مشيرةً إلى «ارتياح بأن سوريا ستعبر هذا المنعطف سالمة معافاة».
أما بالنسبة إلى المواقف الأخيرة التي أطلقها الحريري ضد إيران، فترى المصادر أن «ما قاله الناطق الرسمي أقصى ما تستأهله القضية، والباقي يتكفل به أهل البيت، لأن لبنان أغلى من أن نغيّر سياستنا تجاهه نتيجة تقلّب أو انخراط إحدى الجهات في مشاريع لا تخدم هذا البلد».