من دون رابط ظاهري مباشر على الأقل، يتزامن تذليل العراقيل التي يواجهها تأليف الحكومة منذ تكليف الرئيس نجيب ميقاتي في 25 كانون الثاني، مع اقتراب الرئيس السوري بشّار الأسد من حسم الأزمة السياسية ـــــ العسكرية التي يواجهها نظامه منذ 25 آذار.تشارف الأزمتان، أو تكادان، على نهاية امتحان قاسٍ لكل من النظام السوري والغالبية النيابية الجديدة التي يتزعّمها حزب الله، من غير أن تزال من طريقهما كل العراقيل بكلفة أقل. فتأليف الحكومة اللبنانية، كما إمساك الأسد بالسلطة تماماً بعدما اختلط تظاهر المعارضة بافتعال أعمال شغب مسلحة، سيواجهان استحقاقات إقليمية ودولية ثقيلة، لا يسهل كثيراً تجاوزها، وكلاهما على طرف نقيض من بعض المجتمع الدولي.
نجاح حزب الله في تأليف الحكومة ومساعدة الرئيس المكلف، وحليفه رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، على الظهور بمظهر المنتصرين في حكومة متوازنة مقبولة لا تحجب سيطرة حزب الله على الغالبية النيابية ولا على ترجيح كفة القرار في السلطة الإجرائية الجديدة، مُشابه لاستعادة الرئيس السوري زمام السلطة وإطلاق سلسلة مبادرات إصلاحية مهمة تمنح نظامه وجهاً مختلفاً عن الصورة التي يحفظها الغرب عن هذا النظام، الكثير الشكوك والحذر منه من حقبة والده الرئيس الراحل حافظ الأسد.
ورغم أن الأسد الابن نجح، في عقد من الزمن من وجوده على رأس السلطة، في إضفاء صورة مختلفة على النظام التي خَلفَ والده فيه، بيد أن هذه الصورة لم تكن كافية لإقناع الغرب بتخفيف ضغوطه عليه. وهو الآخر لم يسترح، منذ السنة التالية لرئاسته الأولى، من جبه صدمة تلو أخرى، وبعضها كاد أن يكون قاتلاً، لم يختبر والده في أي حال مثيلاً لها، الأمر الذي يفتح الآن باب التكهّن بأن امتحان تقبّل حزب الله وحلفائه على رأس سلطة إجرائية في لبنان، مماثلٌ لتقبّل الحقبة الجديدة لحكم الرئيس السوري بلاده.
في اليومين المنصرمين، في ظلّ تسارع الوقائع العسكرية السورية، استخلص زوّار لبنانيون للعاصمة السورية ممّا يجري فيها الآن المعطيات الآتية:
1 ــ عيّن الأسد لجنة رباعيّة ضمّت نائبي رئيس الجمهورية فاروق الشرع ونجاح العطار ومعاون نائب الرئيس اللواء محمد ناصيف والمستشارة السياسية والإعلامية للرئيس بثينة شعبان، نيط بها فتح حوار مع قوى المعارضة في مطالبها وفي الإصلاحات التي أعلن الأسد وحكومة عادل سفر المضيّ فيها، والإصلاحات الأخرى الملحّة. تألفت اللجنة الجمعة 6 أيار، وعقدت اجتماعها الأول السبت 7 منه ووضعت جدول أعمالها وآلية عملها، ثم عقدت اجتماعاً آخر الاثنين 9 أيار في نطاق خطة فتح حوار وطني مع جميع الأفرقاء، بمن فيهم الإخوان المسلمون، لكن ليس بصفتهم هذه ـــــ كون الأحزاب الدينية محظورة ـــــ وإنما كممثلين للمجتمع المدني والمعارضة السورية.
وتكمن أهمية الحوار مع الإخوان المسلمين في حصوله لأول مرة منذ عام 1982، عندما صفّى النظام تنظيمهم العسكري في حملة ضخمة في 2 شباط 1982، بعد سنتين على صدور القانون 49 في 7 تموز 1980 الذي اعتبر الانتماء إلى الإخوان المسلمين عملاً إجرامياً يعاقب بالإعدام. والتعامل الجديد المتوقع مع هؤلاء، في ضوء الحوادث الأخيرة، بات يتجاوز هذا القانون بغية الخوض في حوار وطني يكون هؤلاء جزءاً منه، لكن الجزء الكبير الآخر هم المنادون بالإصلاح وتمثلهم قوى المعارضة ومنظمات المجتمع المدني.
2 ــ ترتكز المهمة الرئيسية للجنة الرباعية على انفتاحها على كل ما تحتاج إليه سوريا من إصلاح، لكن وفق قاعدة رئيسية أيضاً لم يُظهر الرئيس تساهلاً حيالها، وهي إجراء حوار وطني تحت سقف النظام. لا حوار مع مَن ينادي بتقويضه، إلا أن المناقشات مفتوحة على كل الأفكار التي تحافظ على الاستقرار ولا تضع البلاد في مهبّ الفوضى.
3 ــ تبعاً لما راح يسمعه منه زوّار لبنانيون بارزون في الأيام الأخيرة، يشير معاون نائب رئيس الجمهورية اللواء محمد ناصيف إلى تردّد السفير الأميركي في دمشق روبرت فورد عليه لمناقشة الوضع الداخلي، في صورة لا تعكس تماماً الموقف الإعلامي الأميركي. ويصف العلاقة مع واشنطن، رغم كل ما يُعلن، بأنها ليست سيئة كما يتصوّر البعض نظراً إلى تيقّن الولايات المتحدة من أهمية دور نظام الأسد في المنطقة، والموقع الاستراتيجي لسوريا، ناهيك بدورها في استقرارها. يتحدّث المسؤول السوري الرفيع عن غضب دمشق من الموقف الأوروبي ورأس حربته فرنسا، ولا يرى مبرّراً لتدهور العلاقات الفرنسية ـــــ السورية على نحو ما حصل في الشهرين المنصرمين، وإصرار باريس على فرض عقوبات على سوريا وتأليب المجتمع الأوروبي عليها.
لكن اللواء ناصيف يقول، في معرّض التعليق على ردّ الفعل الفرنسي الحاد حيال الأسد ونظامه في مواجهة الاضطرابات وتجاهل باريس أعمال الشغب والاعتداء على الجيش والمخافر والمنشآت الرسمية، إن الانتداب الفرنسي ولّى: إذا كانت فرنسا تطمع بالنفط الليبي ودخلت في مواجهة مباشرة مع النظام هناك من أجل الحصول على دور في المنطقة، إلا أن سوريا وخياراتها عصيّة عليها.
والواقع أن اللواء ناصيف أدّى دوراً محورياً في قرار القيادة السورية تحديد خيارات مواجهتها السياسية والعسكرية لخصومها. ورغم موقعه السياسي الآن، البعيد من أجهزة الاستخبارات. إلا أنه المسؤول المخضرم الوحيد من القادة الأمنيين النافذين حالياً في أجهزة الاستخبارات العسكرية والعامة الذي خبر تجربة الصراع الدامي مع الإخوان المسلمين، وصولاً إلى تصفية التنظيم في حماه، وكان قد شغل منصب رئيس فرع الأمن الداخلي في الاستخبارات العامة طوال 35 سنة. وبسبب إلمامه، إلى جانب الأسد الأب ثم بعد تقاعده إلى جانب الأسد الابن، بالوضع الداخلي كأحد الملفات المعني بها، إلى الملفّين الأكثر تعقيداً وهما العراق وإيران، كان أحد أصحاب الآراء الرئيسية التي وُضعت في تصرّف الرئيس لتحديد خيارات المواجهة مع اشتعال الشارع وتحديد أولوية الإصلاح أو المواجهة العسكرية في المعالجة، في الردّ على تداخل المناداة بالإصلاح بأعمال الشغب والفوضى والصراع المسلح.
حتى الأسبوعين الأخيرين، كان اللواء ناصيف يقول لزوّاره اللبنانيين إن ما يجري في سوريا دقيق ويقتضي متابعته بحكمة وحزم في آن معاً. لم يقلل من أهمية ما كان يحدث، غير أنه لم يكن مصدر قلقه. في الأيام الأخيرة، راح زوّاره يسمعون منه كلاماً مختلفاً انطوى فيه التقدير الأمني والعسكري مع التقويم السياسي الناجم عن استقبالاته سفراء الدول الكبرى ومتابعتهم ما يحدث في سوريا، ومغزاه أنه صار يشعر بالارتياح أكثر من أي وقت مضى إلى السيطرة على الفوضى التي شهدتها سوريا، مركزاً على استكمال المعالجة بالشقّ السياسي، كما بالشقين الآخرين المتلازمين والضروريّين لاستقرار النظام، وهما العمل العسكري ومن بعده الأمني.