يعرف معارضو النظام في سوريا أن أي شرعية يتوسّلونها، في هذا البلد، تحتاج إلى موقف واضح من المسألة الفلسطينية. والحديث هنا ليس عن سطر يرد في بيان، أو فقرة ترد في آخر وصفة تبرّع بها خبير، بل عن موقف عملاني، لا على طريقة ما يقوم به تيار «المستقبل» في لبنان وأمانته العامة. فقضية فلسطين ليست مسألة هامشية عند أهل بلاد الشام.
هي السبب الرئيسي لمعاناة أكثر من 3 ملايين فلسطيني يعيشون في لبنان وسوريا والأردن، وهي السبب الرئيسي لحروب شنت ولا تزال منذ 60 عاماً على هذه البلاد. وهي السبب الرئيسي في إنفاق بلادنا عشرات المليارات على التسلح لمواجهة العدوانية الصهيونية، وهي السبب الرئيسي لحروب وفتن داخلية ترعاها الولايات المتحدة، وهي السبب الرئيسي لعمليات خيانة قامت بها جماعات بأكملها، لا مجرد أفراد، في لبنان. برر هؤلاء فعلتهم بأنهم لا يريدون للبلد أن يتحمل ضريبة الصراع مع إسرائيل. وهي السبب الرئيسي لكل القهر الذي عانته سوريا منذ أكثر من خمسين سنة، ولا تزال تعاقب على أيدي الغرب الصهيوني، بسبب دعمها لقوى المقاومة، لا بسبب حقوق الإنسان في سوريا. وهي السبب الرئيسي لشبح حرب أهلية يحوم كل ساعة فوق الأردن الذي تريده إسرائيل الوطن البديل.
وبالتالي، من يعتقد أنه يمكنه إيراد عبارة في بيان عام يقول فيه إنه يقف الى جانب حقوق الشعب الفلسطيني، وهذا يكفي لكي يأخذ شرعية من الآخرين، فصاحب هذا الاعتقاد إما مخبول وإما عميل، والنتيجة بعد تجربتنا مع 14 آذار في لبنان هي هي، لا فرق أبداً.
منذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا، التي يصعب إطلاق صفة الثورة عليها، لم ترفع لافتة واحدة، أو شعار واحد له صلة بالقضية الفلسطينية. بل إن كل الضجيج الإعلامي الذي تولاه التيار الانتهازي ـــــ الأميركي في حركة «الإخوان المسلمون» لم يهتم بهذا البند أبداً، بل على العكس، فكل اهتمامه منصبّ على كيفية تعميق الأزمة الداخلية في سوريا، واتهام النظام بأنه يريد قتل شعبه ونقطة على السطر. وعندما يأتي الحديث عن موضوع فلسطين، يتهم النظام بأنه باع الجولان ولم يطلق رصاصة واحدة، وغير ذلك من الكلام السخيف. ولمّا حلّت ذكرى النكبة، صدم متفكّرو الثورات وإعلام «الإخوان» بأن هناك صورة قد تأخذ من انتباه الجمهور، ولا يمكن تجاهل هذا الحدث. وعندما اضطروا إلى التعليق على جرائم العدو بحق المتظاهرين من اللاجئين، انتقلوا الى الهجوم على النظام السوري لأنه يحاول استغلال دماء الشعب الفلسطيني بغية حرف الأنظار عما يجري في سوريا... وللصدفة، فإن ما قاله كل هؤلاء طابق تماماً ما قاله الصهاينة أيضاً.
وعندما حانت ذكرى النكسة، عملت الولايات المتحدة، ومعها عربها، على احتواء الموقف مسبقاً. نظام الأردن لم يكن يحتاج الى من يشجعه على عمل يعشقه هو، وصار الآن مصدر عيشه، إلا إذا ظن أبناء هذا البلد أن ضمهم الى دول مجلس التعاون الخليجي هو بهدف غير استخدامهم كأدوات أمنية وعسكرية لقمع شعوب «ممالك الموت الأسود». أما في مصر، فقد تولى «الإخوان» مرة جديدة، بالتفاهم مع التيار الأميركي في الجيش، اعتبار المسيرة الى فلسطين خارج الأولويات، فيما عمل الحكم التافه في لبنان على تنفيذ التعليمات الأميركية، ولم يبق للاجئين إلا سوريا. وكان هناك من يراهن على أن النظام سيكرر ما فعله الآخرون لاسترضاء الغرب. لكنه أعاد فتح الحدود مرة جديدة لكي يتقدم اللاجئون نحو أرضهم المحتلة. وبدل أن يقال له شكراً، عاد «ثوار العوامات» من جديد ليحملوا عليه.
ووسط كل ذلك، لم يخرج معارض سوري واحد، وخصوصاً من أشاوس إعلام «الإخوان»، بكلمة واحدة تحيّي ما حصل. بل ركّزوا على أن أبناء مخيمات سوريا يرفضون الأمر، وأنهم انتفضوا أيضاً على الفصائل هناك.
النتيجة المؤسفة هي أن قوى المعارضة التي تدّعي قيادة ثورة في سوريا، ليست مهتمة بأمر المقاومة وفلسطين، والذين يتبرعون لدعمها بكل الوسائل، وخصوصاً من خلال شتم بشار الأسد، إنما باتوا هم أيضاً خارج مناخ العمل لخدمة المقاومة وفلسطين. ومع ذلك، يعتقدون أن الناس ينتظرونهم كل صباح لسماع محاضراتهم... بئس ثورات كهذه... وبئس إعلام كهذا وبئس هذا الصنف من المتفكّرين!