يتحدّث الشاب بنشوة من نوع مختلف: «سيسقط النظام السوري حتماً، ولذلك لن يبقى الوضع في لبنان على حاله». حالة «المستقبليّ» هذا، وهو من القريبين من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، باتت معمّمة على فريق 14 آذار، بشقّه المستقبلي أساساً.
تتقاطع المعلومات بين مصادر عدّة، لتشير إلى أن فريق 14 آذار بات يتصرّف على أساس أن معركته الأولى هي في سوريا، وأن إيران هي في حالة انكفاء نتيجة وضعها الداخلي. من هنا، يجد هؤلاء أن استعادة المبادرة في لبنان باتت محكومة بسقوط النظام السوري. وقسّم سعد الحريري المعركة على مستويين: المستوى الداخلي تتولّاه الأمانة العامّة لقوى 14 آذار، ويُساندها كمدفعيّة ثقيلة، رئيس الهيئة التنفيذيّة في القوّات اللبنانيّة سمير جعجع. ويعمل هذا المستوى على إشغال الحكومة وضعضعتها شعبياً ومعنوياً واقتصادياً، وجعلها عاجزة عن العمل، لتتضاءل شعبيّة القوى الموجودة فيها، ومن أجل منعها من أن تكون مساندةً للنظام السوري. ويحق لهذا المستوى أن يستعمل جميع الوسائل بما فيها الشارع، «في اللحظة التي سنجد فيها أي داعٍ لاستعمال الشارع».
أمّا المستوى الخارجي، فيتولّاه الحريري شخصياً. وهو يتصرّف انطلاقاً من «منسوب الحقد المرتفع» جداً لديه بعد إبعاده عن السرايا الحكومية. «الحريري حاقد على سوريا وعلى حزب الله وعلى نجيب ميقاتي ووليد جنبلاط»، تتردّد هذه العبارة في مجالس عدّة. وبسبب هذا «الحقد»، يريد الحريري إبعاد الرئيس السوري بشّار الأسد عن قصر الشعب، كما أبعده الأسد عن السرايا الحكومية. ويعتقد الحريري أن إسقاط نظام الأسد هو المدخل للانتقام من حزب الله وميقاتي وجنبلاط. وإلى جانب «الحقد» الشخصي، ثمة عامل آخر يدفع الحريري إلى لعب دور «رأس الحربة» في المواجهة، وهو دوره في الصراع السني ـــــ الشيعي. ويتصرّف الحريري على أساس أن معركته مع النظام السوري هي المعركة الأخيرة التي يخوضها، وعليه الخروج رابحاً منها، لأن أي هزيمةٍ ستؤدي به إلى التهلكة سياسياً، بحسب المعلومات المتقاطعة.
وينطلق الحريري من واقع الضياع الذي يعيشه صانعو السياسة الأوروبيّة في التعامل مع الملف السوري، «فهم غير قادرين على التصرّف كما فعلوا في ليبيا، وخصوصاً أنهم يعيشون أزمةً حقيقيّة فيها. كما أن هذه الدول، وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا، لا تستطيع تكرار تجربة تونس، حين اتهم الشعبان الفرنسي والبريطاني قيادتهما السياسية بأنها كانت داعمة للنظام التونسي. لذلك يتصرّف الأوروبيّون بناءً على أولويّة واحدة هي إرضاء الرأي العام عندهم». في المقابل، فإن الجناح المعادي لسوريا ولحزب الله في الإدارة الأميركيّة، مثل نائب وزيرة الخارجيّة الأميركيّة لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان وعدد من أعضاء الكونغرس أمثال نيك رحّال وهوارد برمان وتشارلز بستاني وغيرهم، مستعدون تماماً للاستفادة من الفرصة الموجودة أمامهم.
وانطلاقاً من هذا الواقع، يعمل الحريري وفريقه السياسي على ضخّ المعلومات في وسائل الإعلام الأوروبيّة والأميركيّة لتعزيز موقف الرأي العام في هذه الدول من النظام السوري وحلفائه اللبنانيين. ويستعمل الحريري كلّ علاقاته الدوليّة، لمواجهة أي عمليّة تواصل يسعى النظام السوري للقيام بها مع الغرب، حتى إنه يعمل على إقناع روسيا بالتخلي عن دعمها لدمشق.
وبحسب مصادر وثيقة الاطلاع على آليّات عمل قوى 14 آذار، فإن هذه القوى تُكرّر اليوم تجربتها السابقة التي بدأت قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، وهي «إرسال معلومات إلى وسائل إعلام موثوقة عربياً وعالمياً، ثم استعمال هذه المعلومات لبنانياً». وتُشير المصادر عينها إلى ما نُشر في جريدة «وول ستريت جورنال» عن عدم الثقة في القطاع المصرفي اللبناني ودعوة المستثمرين العالميين إلى مقاطعته لكون هذا القطاع «يُبيّض أموال الأشرار في المنطقة»، هي معلومات صادرة من لبنان. تُضيف هذه المصادر، أن كلّ الكلام الذي ينتشر عن أن النظام المصرفي في خطر وأن هناك سلسلة مصارف ستواجه المصير عينه الذي واجهه البنك اللبناني الكندي، هو كلام لبناني أيضاً يُستعمل في اللعبة الداخليّة. وإضافة إلى الكلام، «ثمة سعي جدي من فريق الحريري على تشديد القيود على المصارف اللبنانيّة بهدف إضعافها، رغم أن الحريري وحلفاءه يملكون جزءاً كبيراً من القطاع المصرفي، لكنّهم يعتقدون بإمكان تعويض هذا النقص بعد إسقاط النظام السوري وحكومة ميقاتي». ويُشير أحد السياسيين اللبنانيين المتابعين بدقّة لعمل الحريري وفريقه، إلى أن «حقد الحريري أوصله لأن يعدّ جميع الشيعة، مستثمرين كانوا أو أناساً عاديين، أعداء له ويجب محاربتهم وتدميرهم».
ويأتي قانون «مكافحة الإرهاب الخاص بحزب الله» (The Hezbollah Anti-Terrorism Act of 2011 HATA) الذي قدّمه عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي، ومن بينهم نيك رحّال وتشارلز بستاني وداريل عيسى، في السياق عينه. وبحسب مصادر مطّلعة على ظروف تقديم هذا القانون، فإن أعضاء الكونغرس هؤلاء، بطبيعتهم، مناوئون لحزب الله، «لكن هناك جهدٌ قام به طوني نيسي (المنسّق العام للّجنة ‏اللبنانية العالمية لتنفيذ القرار 1559)، ووليد فارس (مستشار المجموعة النّيابية لمكافحة الإرهاب في الكونغرس الأميركي، وهو غير وليد فارس الكتائبي) في التمهيد لتبني هذا القانون»، وهو ما تؤكّده مصادر تُقيم في واشنطن. وبحسب مصادر وثيقة الاطلاع على آليّات عمل قوى 14 آذار، فإن طوني نيسي كان «يغطّ» ليشارك في لقاءات قوى 14 آذار في عزّ ثورة الأرز، وهو يملك علاقات وثيقة مع اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الاميركية.
وبحسب مشروع القانون، فإنه يهدف إلى «دعم السيادة اللبنانيّة وحكم القانون والديموقراطيّة في لبنان، ومواجهة جميع المنظمات والأفراد والبلدان التي تشارك أو تدعم الإرهاب وتستعمل لبنان منطلقاً لعمليّاتها ضدّ الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل». كذلك يهدف القانون إلى دفع المجتمع الدولي إلى الامتناع عن التواصل مع «المنظمة الإرهابيّة حزب الله» أو دعمها، «حتى تتخلى هذه المنظمة عن سلاحها وتنبذ العنف». ويقول واضعو المشروع إنه يهدف إلى منع الحكومة الأميركيّة من دعم أي حكومة لبنانيّة تعتمد على حزب الله، أو أي حكومة يكون حزب الله جزءاً من أكثريّتها. كذلك، يهدف إلى السماح للرئيس الأميركي بتأمين الدعم اللازم لحلفاء واشنطن في لبنان.
واللافت أن السفيرة الأميركيّة في لبنان، مورا كونيللي، أبلغت جهات لبنانيّة أنّ الإدارة الأميركيّة ليست مسؤولةً عن هذا القانون، ولمّحت السفيرة إلى دور «اللوبي اللبناني» في واشنطن بالدفع قدماً بقانون HATA.
وعمل الحريري وفريقه على إقناع الإدارة الأميركيّة بوقف المساعدات الأميركيّة للبنان، سواء كانت للجيش اللبناني أو لجمعيّات أو للدولة اللبنانيّة. وسمعت السفيرة الأميركيّة كلاماً قاسياً من مشاركين في الحكومة، لجهة أن حكومتها كانت تُقدّم هذه المساعدات وقد كان حزب الله في الحكومة، وأن مساعداتها طاولت مناطق يستفيد منها مناصرو حزب الله. وبحسب مصادر 14 آذار، فإن الحريري أقنع الأميركيين (أو هم مقتنعون في الأصل)، بأن وجوده على رأس الحكومة يمنع حزب الله من السيطرة عليها، وأن الرئيس نجيب ميقاتي هو مجرّد تابع لحزب الله وينفّذ أوامره.
إلى جانب الضغط الاقتصادي، يراهن الحريري على قُرب إعلان البيان الاتهامي للمحكمة الدوليّة، وهو يُبلغ من يلتقيهم أن تموز هو الشهر الذي سيشهد هذا الإعلان. ويرى الحريري، بحسب مصادر قوى 14 آذار، أن هذا القرار سيتهم النظام السوري وحزب الله بالاغتيال، وسيكون عاملاً مساعداً في استكمال حملته لإسقاط النظام في دمشق «وتربية حلفائه اللبنانيين». ويقول هؤلاء إنّ الحريري يتعاطى مع الموضوع على أنه مجرّد وسيلة، وليس هدفاً أو قضيّة. ويُعدّ الحريري فريقه لخوض معركة شرسة تحت عنوان المحكمة.
ويختصر المقرّبون من الحريري وضعه بالآتي: «معركته مع النظام السوري هي معركة موت أو حياة». وينقل البعض عنه قوله «أنا أو بشار الأسد». يُضيف هؤلاء أن الحريري بات مقتنعاً بأن حياته السياسيّة ستنتهي إذا استمر الأسد في حكم سوريا، وبالتالي فإنه يرمي كلّ أوراقه في مواجهة الرئيس السوري. هو، ببساطة، كمقامر وصل إلى اللحظة التي أيقن فيها أنه يلعب في الجولة النهائيّة، فإمّا أن يربح كلّ ما في حوزته أو يخسره كلّه، وبالتالي راهن بكلّ ما بين يديه دفعةً واحدة: All In.