تيار المستقبل «يخبّص»، وليد جنبلاط «وسطي»، الحكومة «مقاومة الهوى»... الظروف في مصلحة 8 آذار. البقاع الغربي هو لبنان مصغر، فيه زاوية دعم للمقاومة في قرى جنوب البقاع. التيار الوطني الحر يتوسع في قرى السلسلة الغربية، عبد الرحيم مراد يستعيد عافيته السياسية. يتغيّر وجه البقاع.في الأصل، قبل بروز طبقة النواب الجدد إبان عاصفة 2005، كانت المنطقة تبايع مراد وإيلي الفرزلي وفيصل الداوود وحلفاءهم. حتى وزير المستقبل محمد رحال يقر بأنه هو كان عند مراد قبل موت الرئيس رفيق الحريري. «لم يكن هناك شيء اسمه تيار مستقبل قبل 2005، ولست أنا وحدي، بل كل المنطقة كانت عند أبو حسين (مراد)».
اليوم في ظل غياب نواب 14 آذار شبه الكامل عن المنطقة، وفي ظل انتقال الحكومة إلى كفة 8 آذار، يستعيد حلفاء سوريا وضعهم السابق. مع إعلان الحكومة، بدأت تكر سبحة الوافدين إلى عيادة الطبيب نضال منعم، مسؤول الحزب السوري القومي في البقاع الغربي. تفاجئ وجوهَ المنطقة تحركاتُ بعض الوجهاء الحريريين باتجاه نواح سياسية اخرى. رئيس بلدية الصويري حسين عامر كان نجم «ثرثرات ما بعد إفطار حزب الله في مشغرة». حضر عامر إفطار المقاومة بينما كان غريمه ضاهر الصميلي يستقبل الوفود على الباب مع الوزير وائل أبو فاعور في إفطار الاشتراكي.
بدأت تتوافد إلى منزل عبد الرحيم مراد ومهرجانات حزب اتحاده وجوه بقاعية طوّلت غيابها. بلديات السهل التي «هزمته» في انتخابات اتحادها تتوافد لتهنئته في العيد. أما النائب السابق إيلي الفرزلي، فما توقّف يوماً عن فتح دارته في جب جنين، لكنه يتكلّم اليوم بنبرة أعلى. حاله كحال زميله فيصل الداوود، الذي يظن أنه قادر على كسر هيبة جنبلاط في راشيا. النائب ميشال عون يستعد لزيارة صغبين ليبدأ عملية اختيار مرشّحه في النيابة المقبلة. طاولته متعددة الأسماء، فيما يكرس النائب السابق هنري شديد نفسَه مرجعية في المنطقة. بات الأمر تحصيلاً حاصلاً، الحكومة والمتغيرات في لبنان تعيد ابن البقاع إلى مسافة واضحة من الجميع. غياب المستقبل عن خدماته ونكثه بوعوده للمنطقة حجّة مضافة. الفرزلي يحمل مشاريع رئيس اتحاد بلديات البحيرة تحت إبطه ويدور على الأرض. أبو حسين يمسح الغبار عن صورته استعداداً للمعركة الآتية. ولكن!
يشتكي الفرزلي، كما مراد وباقي حلفاء 8 آذار من تهميش المنطقة في الحكومة. من ناحية الخدمات، يغرد الفرزلي في منزل أصدقائه في راشيا كما يغرّد عبد الرحيم مراد في الخيارة: «كل الخدمات التي أُنجزت في المنطقة، أقرت ووقع عليها في عهدنا نحن».
والحلف يملك خزان مؤسسات تربوية وخيرية عند عبد الرحيم مراد، رغم أن الأداء السياسي للأخير جعله يخسر بلديات تعد له، كغزة والخيارة.
الغرور مشكلة أساسية تضرب الحلف. بحسب مسؤول القومي نضال منعم، ثمة خطر من تباعد الحلفاء طيلة فترة العمل وعدم التنسيق في ما بينهم. تتضح هذه المشكلة اكثر بعد لقاء الفرزلي ومراد. فكل من الشخصيتين يعد نفسه هو المرجعية. يأبى مراد مسامحة الفرزلي لزيارته القديمة إلى سعد الحريري. أما الفرزلي، فيعد نفسه «كياناً مسيحياً» قائماً بحد ذاته، ويسعى إلى يوم تنتخب فيه الطائفة نوابها. كان لافتاً في عيد الفطر الأخير أن الفرزلي لم يزر مراد لمعايدته. وحين سئل أبو حسين عن زميله رد مشدداً على «تحالفنا مع العماد عون»، وأهمل الإجابة عن علاقته بالفرزلي مع الإيحاء بشبه القطيعة. في هذه الأثناء يصب التأخير وغياب الخطاب السياسي في مصلحة التيارات الصاعدة كحزب التحرير والجماعة الإسلامية، التي خرجت عن سيطرة راعيها تيار المستقبل مع انبلاج «الانتفاضة السورية». يحاول هؤلاء أن يستفيدوا من تقاعس المستقبليين. يعوّل مراد على الاستفادة من غياب نواب المنطقة للوقوف إلى جانب الناس في محنتهم. بدوره، يسير الفرزلي باتحاد بلديات البحيرة لرئيسه خالد شرانق، في خطة تنظيف الليطاني عبر محطات تكرير تتوزّع على ضفافه. إلا أن مياه النهر لم يخفّ سوادها بعد.
من على طاولة أحد مطاعم المنطقة، يشدد نجل عبد الرحيم مراد، حسن، على ضرورة التنسيق ويغازل الفرزلي إلى الشارع. ففي النهاية، لا سبيل لأحد بالفوز إلا إذا اتحدوا. لكل اسم منهم قاعدة شعبية ينطلق منها، لكنهم صامتون. يقول حسن مراد «مادحاً» الفرزلي: «جولات السيارة بالنوافذ المفتوحة تلك اختصاص إيلي الفرزلي، هو الذي بدأ عهد التقاء النواب بالناس على الطريقة الشعبية».
مراد الابن يجيب بعقلانية رداً على كلام أنه وريث أبيه «لا فرق من يترشح للنيابة، ما يهمنا هو الحلف». ويتابع: دعا الوالد إلى تفعيل هيئة العمل الوطني التي كان من شأنها تصدير زعامات المنطقة في السابق. واليوم، الحاجة الملحة إلى إعادة الهيئة الوطنية لمتابعة حاجات الناس. اعترضنا على عدم تمثيل الكرسي البقاعي لأنه يؤمن ساعي البريد بين الحكومة والناس. يختم مراد «مشكلتنا ومشكلة عكّار متشابهتان». حرمان وتمدد للذراع الإسلامية على حدود سوريا. غياب المشروع السياسي بحسب مراد، هو الذي سيضع المنطقة في سلة الإسلاميين. ومشكلة 8 آذار الأساسية «أننا لم نقوّم تجربة الماضي، ولا بحثنا بالأرض المشتركة، ولا نجلس معاً إلا في المناسبات، وغداً قبل حلول الانتخابات بشهر سندق نواقيس الخطر».
مشكلة الحلف الأساسية أن كل جزء منه يعد نفسه كياناً قائماً بحد ذاته ولا يتواضع للآخرين. عبد الرحيم مراد وفيصل الداوود يريان أن القومي في جيبيهما، بينما تزحل بعض قاعدة القومي الشعبية إلى خدمات وائل أبو فاعور. وبدوره يقصف مسؤول القومي في المنطقة على مراد والداوود «لسنا في جيب أحد، خضنا انتخابات 2005 منفردين ضد الحلف الرباعي، وحصدنا 6000 صوت».
لكن حتى مسؤول حزب البعث، رغم حجمه المنحسر، يهزأ بالقوميين. ماجد منصور هو المسؤول الحزبي الوحيد الذي جلس إلى طاولة نواب 8 آذار في إفطار الاشتراكي.
في مستوصف غزة يهزأ منصور باستقواء القوميين «نحن أكثر من القوميين ولا وجود يذكر لهم، ولو لم يعطه الحلفاء والأصدقاء لما حصد عبد الله وهاب ألف صوت». رغم تغيير الظرف السياسي، لم يلتئم بعد جسم الثامن من آذار، ولا أصبح مستعداً للعمل السياسي المباشر في المنطقة.
يبرر فيصل الداوود نعاسه السياسي: مطلوب أن يشعر عبد الرحيم مراد وإيلي الفرزلي وفيصل الداوود بأنهم مساندون. بدوره، يقترح الفرزلي حلاً على مقاسه: قانون انتخابات يعطي كل طائفة أن تقترع وحدها.
أما آل مراد، الأب والابن، فرغم أن الشائعات تلاحقهما، ولا يزال غير معروف إذا كان المرشح في 2013 سيكون حسن أو عبد الرحيم، تجزم أم حسين بابتسامة «المرشح سيكون أبو حسين»... وبناءً على ذلك يناشد أبو حسين الحكومة: نريد حلولاً للمشاكل الزراعية والبطالة والكهرباء والهاتف، نريد أن تقف الحكومة إلى جانب ابن البقاع الغربي المحروم. فيرد ابن البقاع الغربي مسائلاً «هل تصالحت مع حلفائك يا أبو حسين؟».