شهران، هما المدة الفاصلة عن إنجاز الولايات المتحدة الأميركية لخطوة سحب جيشها المحتل في العراق. البيان الصادر عن باراك أوباما يقول إن الخطوة تامة وحتمية، وهو يضعها في سياقات عدة، من بينها مخاطبة جمهوره الذي كان أحد أسباب انتخابه وعده بإعادة الجنود الى الديار من العراق ومن أفغانستان. لكن ما سبق هذه الخطوة لم يتحدث عنه أوباما كفاية. وهو بالطبع ما كان ليقول لشعبه ولعائلات جنوده، وللجنود أنفسهم، إنه كان يفاوض على بقاء الاحتلال في العراق ولو لسنة إضافية. وإنه سعى الى اختراع ألف وصفة ووصفة وألف اسم واسم، لكي تبقى قواته في أكثر من مدينة وقرب أكثر من مرفق. لكنه لم يوفق في مفاوضات مباشرة مع الحكومة العراقية، ولا في مفاوضات غير مباشرة مع الإيرانيين ومع السوريين أيضاً. الفريق الآخر الذي لا يودّ، أو يخشى، أو لا يرغب الآن، في الحديث عن الأمر، هو عواصم بارزة في دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة الى الأردن، وإلى قسم كبير، ومع الأسف كبير جداً، من المعارضين السوريين الحاليين للحكم في دمشق، والذين تسنّى لهم مقابلة أو مراسلة المسؤولين الأميركيين. وكل هؤلاء، يريدون، مع الأسف أيضاً، بقاء قوات الاحتلال الأميركي في العراق.
إن انسحاب أميركا من العراق سيشكل المحطة الأبرز في تراجع مشروع التوسع الأميركي بعد 11 أيلول. وهي محطة ستليها، وليس في وقت بعيد، محطة أخرى تخصّ أفغانستان، برغم كل الفروقات والاختلافات. لكن الأميركيين يعرفون أنهم ليسوا قادرين البتّة على ادّعاء قدرتهم على حماية جنودهم، أو على منحهم شرعيّة شعبية، وأن المناصرين لهم من الحكام يخشون هم أيضاً الإعلان عن رغبتهم في بقاء هذه القوات.
ولأن الحدث كبير، وكبير جداً، فإن من المفيد اللجوء الى حديث من دون قفازات:
ـــــ تواجهت إيران والولايات المتحدة بقوة في المنطقة منذ ثلاثة عقود. وفي لحطة الصدام العنيف بين الإدارة الأميركية والإسلام الأصولي السني، بدا للبعض أن تقاطعاً للمصالح قام بين طهران وواشنطن. خصمان مشتركان، واحد في العراق هو صدام حسين، والآخر في أفغانستان هو حركة طالبان، ومعها الراحل أسامة بن لادن وتنظيم «القاعدة». وقد تصرف كثيرون، في العالم العربي والإسلامي، بأن هذا التقاطع قد ينذر بمرحلة تعاون وربما تحالف بين الجانبين. سارع قادة من عرب أميركا الى الالتصاق أكثر بالمشروع الأميركي. وقاموا، من دون طلب، بالكثير من الأدوار لخدمة الاستراتيجية الأميركية. سارعوا الى تعزيز مناخات فتنوية أهلية على خلفية سنية ـــــ شيعية. وقفوا ضد تيار المقاومة في لبنان وفلسطين. حاصروا سوريا بعدما شاركوا بقوة في إخراجها من لبنان ثم في عزلها. مدّوا أنظمة مصر والأردن واليمن بكل المقويات الممكنة. وسارعوا الى الإقرار بأن السلام مع إسرائيل واجب وأن الاعتراف بها أمر واقع. لكن كل ذلك، تمّ على خلفية تستهدف منع ما توهموه من حلف ممكن بين إيران والولايات المتحدة الأميركية.
كذلك سارع خصوم الطرفين الى إشعال مواجهات ذات بعد تخريبي لا أكثر. في السعودية واليمن ودول الخليج، جرى تهريب المئات إن لم يكن الآلاف من «المجاهدين الأفغان» الى العراق. دفعوا الى هناك ليفجروا أنفسهم في قلب أحياء ومؤسسات مدنية، وحاولوا استدراج العراقيين الى فتنة طائفية لم تكتمل عناصرها. وفي سوريا ولبنان وفلسطين، جعلوا المقاومة ضد إسرائيل شأناً فارسياً ـــــ إيرانياً ـــــ صفوياً ـــــ شيعياً لا مصلحة فيه لبقية المسلمين والعرب. وقرروا عزل أي حكم يقوم في العراق، على خلفية أنه أداة للغزو الفارسي ـــــ هم عادة لا يقاطعون من يكون حليفاً أو أداة بأيدي الأميركيين ـــــ وبدت الصورة الشعبية كما السياسية، أن السنّة في العراق يرفضون الاحتلال الأميركي وأن الشيعة هم العملاء الذين أتوا بالأميركيين. وأصروا على تكريس هذه الصورة. حتى إن قناة الجزيرة، بالإضافة الى قناة العربية، وطوال خمس سنوات حتى اليوم، رفضتا عرض أي لقطة أو مشهد مصوّر (بتقنية عالية) لعمليات تقوم بها مجموعات شيعية عراقية ضد قوات الاحتلال الأميركي في كل العراق. كما رفضتا إذاعة أي بيان يصدر عن هذه المجموعات. بينما هما عرضتا، وربما بفخر، تلك اللقطات الرهيبة لمتخلفين يذبحون أجانب بسبب انتمائهم إلى ديانة أخرى.
لكن الولايات المتحدة تعرف حقيقة مرة، وهي أن إيران رفضت التحالف معها، بل رفضت محاولات كثيرة للحوار. وتعرف أميركا أن لإيران اليد الطولى في غالبية العمليات التي تتعرض لها قواتها في العراق وأفغانستان، كما تعرف واشنطن، وبالوقائع، أن حزب الله في لبنان وفر منظومة دعم غير مسبوقة أدت الى إنهاك القوات الأميركية في العراق، وفي فترة لاحقة الى تطوير الموقف السياسي للعديد من القوى العراقية من مسألة الاحتلال. ومشكلة الآخرين، وخصوصاً من عرب أميركا، أنهم يعرفون هذه التفاصيل أيضاً. لكن أميركا ومعها هؤلاء، يخشون أمراً واحداً واضحاً وقاسياً كنتيجة سياسية: سيتصل العراق كجغرافيا هائلة، وكمجموع ديموغرافي، وكقوة اقتصادية، بسلسلة الشر ـــــ ما غيرها التي تعشقها أميركا وعربها ـــــ والممتدة من إيران الى غزة، مروراً بسوريا ولبنان... فهل لنا أن ندرك جانباً مهماً من الأزمة السورية القائمة الآن.
شهران قاسيان على الجميع، ومرّة جديدة... الله يستر!
8 تعليق
التعليقات
-
شكراًشكراً لك أستاذ ابراهيم على توضيح حقائق ربما تغيب بقصد أو بغير قصد عن عقول الكثيرين في المنطقة العربية ، الحقيقة الأكثر سطوعاً في المنطقة هي أنه ما من شر إلا وراءه أمريكا بتواطؤ بعض اللاهثين وراء مصالح ضيقة لا تعبر بأي شكل عن الأهداف الأسمى للشعب العربي برمته ، الثورات العربية قامت لأن هذا الشعب العربي العريض يطمح إلى حكومات تحتفظ ببعض الكرامة لبلدانها، وللحفاظ على التوازن من أجل المصالح الأمريكية والغربية تم خلق الفتنة في سوريا بمساعدة معارضة خارجية تقبض ثمن تحالفها بشكل مباشر ، وبانجرار فئة قليلة مضللة جاهلة من الشعب السوري هي وقود هذه المؤامرة . نحن غالبية الشعب السوري واعون لكل هذه التداعيات ، ومن يريد بنا شراً لن يحصد خيراً ، سورية الله حاميها .
-
اصبت يا استاذ ابراهيم,حبذا لواصبت يا استاذ ابراهيم,حبذا لو يستوعب البعض مغزى هذه الكلمات..
-
القضية في سوريا قضية حقوقالقضية في سوريا قضية حقوق وحريات مغتصبة لماذا هذا التهويل على السوريين في كل يوم ينتحر عشرات الشباب نتيجة للبؤس ولاسباب اخرى ولكن ارادة الله وحكمته قدرت ان يكون اضرام البوعزيزي لجسده شرارة اشعلت ذاك الهشيم الممتد على اتساع الوطن العربي وليس المؤامرة المزعومة والمصطنعة الا ترى ان الامر متعلق بمدى الاحساس بالظلم و التهميش الذي يعاني منه الشباب هل الشعب التونسي او المصري احق بنيل الحقوق من السوريين؟ هل على السوريين ان يرزحو تحت الاستبداد و الفساد لشهرين ام للابد ؟ هل المصلحة الايرانية اعلى من مصلحة السوريين ؟ هل اصبحت مصلحة امريكا في تحرر شعوب المنطقة من هذه الانظمة الدكتاتورية المتخلفة ؟
-
ما بيمرق سنة رايقة ..آهااااا، تاهت ولقيناها هلأ توضحت مواقف جنبلاط والحريري الأخيرة، والتحريض الإعلامي والسياسي المتصاعد ضد سوريا بالرغم من تراجع الوضع الميداني على كلٍ، معك حق يا أستاذ ابراهيم في جملة واحدة ألله يستر عالكل!
-
رسالة مفتوحة الى السيد حسن نصر اللهسماحة السيد حسن نصر الله، اتوجه اليكم بهذه الرسالة المفتوحة عسى أن تقرأوها ولو علمت مجالا لإرسالها لكم عبر اشخاص لفعلت ولذلك ارسلها عبر موقع الاخبار الالكتروني. انا من سكان الضاحية ومن مؤيدي المقاومة لأنها كانت وما زالت تطرح نفسها مدافعا عن المظلومين والمستضعفين ونحن من الذين كانوا وما يزالوا من المستضعفين بالرغم من ندرة الحديث عن الاستضعاف في الضاحية هذه الايام، انا اريد ان اسألكم عن الفرق بين اهدار كرامة الناس من قبل العدو او هدرها من قبل بعض الناس في الداخل؟ هل هناك فرق بين دوس الكرامة داخليا او خارجيا؟ لماذا تسمحون للفساد الاجتماعي ان يعشش في الضاحية؟ الا ترى قلة الاخلاق التي يتمتع بها الناس في مناطقنا؟ الا ترى كل يوم يستكبر بعض ابناء العشائر على مستضعفي الناس والذين لا ظهر لهم ولا سند؟ الا ترى حوادث اطلاق النار وترويع الآمنين بين فينة وأخرى من قبل بعض العشائر؟ ماذا تريد من الاوادم أن يقوموا بتشكيل عصابات مسلحة للدفاع عن نفسهم وحينها تقع الفتنة الكبرى فلا يرى هؤلاء واولئك العدو الخارجي بل يكمنون لبعضهم عن كل مفترق؟ لا تغمض عينيك يا سماحة السيد على هذه الامور لأننا اذا فقدنا المكون الاخلاقي في مجتمعاتنا فإننا نفقد شرعية مقاومتنا ونفقد شرعية حكومتنا الداخلية. من يساند الضعيف في الضاحية التي تدعي السير في طريق الامام علي المدافع الاول عن الضعفاء والمظلومين؟ من ينصر المظلوم في وجه الظالم الداخلي في غياب وجود فعال للقوى الامنية الكفوءة والعادلة؟
-
وبدت الصورة الشعبية كما وبدت الصورة الشعبية كما السياسية، أن السنّة في العراق يرفضون الاحتلال الأميركي وأن الشيعة هم العملاء الذين أتوا بالأميركيين. وأصروا على تكريس هذه الصورة. حتى إن قناة الجزيرة، بالإضافة الى قناة العربية، وطوال خمس سنوات حتى اليوم، رفضتا عرض أي لقطة أو مشهد مصوّر (بتقنية عالية) لعمليات تقوم بها مجموعات شيعية عراقية ضد قوات الاحتلال الأميركي في كل العراق. كما رفضتا إذاعة أي بيان يصدر عن هذه المجموعات. بينما هما عرضتا، وربما بفخر، تلك اللقطات الرهيبة لمتخلفين يذبحون أجانب بسبب انتمائهم إلى ديانة أخرى