كأن المشهد ينقصه المزيد من المهرّجين، حتى يخرج ملك الأردن المفدّى بدعوة الرئيس السوري بشار الأسد إلى التنحّي. بائع الأملاك العامة في الأردن، وحفيد السلالة التي تتقاضى حتى الآن رواتب شهرية من الاستخبارات الأميركية ويشرف على تربيتها وتعليمها أفضل المدرسين في الاستخبارات البريطانية، وجد أن الأزمة السورية تستوجب رحيل الأسد. ترى هل يقف هذا الرجل يوماً أمام المرآة؟على أي حال، السيناريو الدرامي مستمر بفصوله. يبدو العرض مشوّقاً حتى يتقرر عرض أكثر من حلقة منه في اليوم الواحد. ستصاب الدراما السورية بنكسة. فلا الأجزاء الإضافية من «باب الحارة» ستنفع بعد اليوم، ولا دبلجة المسلسلات التركية الطويلة يمكنها حجز مكان إلى جانب العرض المفتوح للمسرحية المنتجة من قبل «الشركة الأميركية ــــ الفرنسية ــــ القطرية للثورات».
حتى الآن، يكتفي المخرج بما يتيسّر من دماء سورية تسقط في بلاد الشام. لكن بعد وقت، وربما غير طويل، وما دامت مستلزمات الإنتاج تقتضي العجلة والتكثيف، فقد تكون الحبكة مرتطبة بمشاهد دموية أكثر. لكن كيف يريدون الأمر: عبوات ناسفة في الأسواق الشعبية؟ اغتيالات لقادة في النظام؟ مزيد من التصفيات على خلفيات طائفية؟ لا أحد يعرف ما هي المعايير التي تحرّض منظمات حقوق الإنسان العالمية التي بدأ أركانها يفركون الأيدي استعداداً لوجبة جديدة. غداً أو بعده، سيناشدها نبيل العربي، ربما العبري، الحضور فوراً ومن دون تأخير. ستتولى دول النفط التمويل. حمد بن جاسم دعا نظراءه العرب وأبلغ الأمانة العامة للجامعة العربية ألا تقلق إزاء التمويل المطلوب لخطة التدخل الخارجي الهادفة إلى إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد.
اليوم، سيكتمل فصل من المشهد. هذا هو المقرر، والله أعلم إذا كانت هناك مفاجآت. على المعارضين السوريين التوحد في إطار واحد كي يُعترف بهم ممثّلاً شرعياً وحيداً للشعب السوري. أما من يقف إلى جانب النظام، أو الذين يقفون ضد التدخل الخارجي، فهم لا شيء. هذه المرة سيصيب المفكر العظيم جداً داوود أوغلو في تحليلاته، لأنه سيجري اعتبار الذين يؤيّدون الأسد لا شيء: فقط صفر.
في القاهرة اليوم، ستكون هناك جهوزية لشريط لاصق من نوع خاص. هو نوع ليس معدّاً ليخدم طويلاً. فقط المطلوب الآن، ولمهلة أسابيع أو شهور أو أكثر، خلق إطار يقال عنه إنه الإطار الشامل لأطياف المعارضة السورية. سيختار له أحد ما اسماً وشعاراً وما يتطلبه الأمر. وسيُحجز له مقعد في الجامعة العربية، يتنافس كثر على ملئه. لكنّ شاغله سيكون هدفاً للمصورين. لا أحد ينتظر سماع رأيه، لأن القرارات جاهزة، لكن سيكون له شرف تلاوتها. وهي القرارات التي يعتقد طبّاخوها أنها كافية لإسقاط نظام الأسد.
أما في الرباط التي يتوجه إليها الوزراء العرب لمناقشة برنامج الضغط على سوريا، فستشهد هي الأخرى مزايدات في الكلام على حقوق الإنسان وعلى الشعب المهدور دمه ليل نهار في سوريا. والكل هناك ينتظر، أيضاً، المزيد من القرارات، مع الترجيح أنه لا أحد سيكون معه جواب على طلب سوريا عقد قمة عربية طارئة.
مسلسل الضغوط مستمر حتى إشعار آخر. في عواصم القرار العربية والغربية، اعتقاد بأنه يمكن القيام بالكثير من الآن حتى موعد الأعياد قبل نهاية السنة. ينتظر هؤلاء احتفالات تعمّ دمشق وحلب والمدن السورية إلى جانب العواصم الأخرى بسقوط بشار الأسد، لا احتفالات في سوريا نفسها كما في العراق ولبنان وإيران بخروج القوات الأميركية من العراق. صحيح أن أميركا لا تريد للكاميرا ملاحقة آخر طائرة تقلّ جنود الاحتلال من بغداد، لكن الولايات المتحدة وعربها يريدون للكاميرا أن تكون مركّزة فوق المدن السورية. هم لا يهتمون بأي صور تنقل. المهم أن يكون هناك صراخ وألم ودماء .... كل شيء مسموح به لخدمة الهدف الوحيد، وهو التخلص من سوريا التي نعرفها في مواجهة المشروع الأميركي ــــ الإسرائيلي.
في حسابات الأطراف العربية والدولية المتورّطة في هذا الجنون أن النظام السوري لن يكون قادراً على الصمود في وجه الحملة الدبلوماسية المترافقة مع عقوبات اقتصادية، وأعمال تخريب وفوضى أمنية. وهم يراهنون على قيام مجموعات، يجري أو جرى تنظيمها، بعمليات عسكرية واسعة على الحدود مع تركيا، أو حتى مع لبنان، من أجل إنجاز ملف المنطقة العازلة. ويكفي حصول اشتباك حدودي واحد حتى يتقرر، من دون انتظار مجلس الأمن ولا غيره، بناء المنطقة العازلة. لكن أصحاب هذا القرار ينتظرون القرار التركي النهائي بشأن ما إذا كانت ظروف أنقرة تسمح بهذه الخطوة أو لا.
الفيلم صار مملاً قبل وصوله إلى الحبكة. ومع ذلك فإن حضوره إلزامي على ما يبدو، ومدفوع الأجر أيضاً، من دماء السوريين أنفسهم وعرقهم، كما من دماء العرب الآخرين وعرقهم. لكن هذا الفيلم لا يزال يصنع بمنتج واحد وبإخراج واحد وبممثلين تختارهم الجهة نفسها.
ترى، هل فكر أصحاب هذه الشركة في كيفية تعامل الطرف الآخر معهم؟ هل يعتقدون أن تجنّب المشكلات يعني فعلاً علامة ضعف، وأنه ليس في يد الطرف الآخر من حيلة؟
لننتظر!