وجدت تركيا الرسمية منطلقاً جديداً لتصعيد لهجتها وتهديداتها التي بلغت ذروتها ضد سوريا، وذلك من باب مهاجمة مصالحها الدبلوماسية في دمشق واللاذقية وحلب قبل أيام. جميع المسؤولين الأتراك تقريباً هاجموا سوريا أمس، مع استخدام نائب رئيس الحكومة، بولنت أرينش، مصطلحاً عنيفاً غير مسبوق ضد سوريا، قلّما تستخدمه تركيا بحق الدول، هو «إرهاب الدولة». وقد خرجت المواقف التركية من حيّز الكلام إلى الأفعال، مع ملامح عقوبات ظهرت إشاراتها الأولى على الصعد النفطية والكهربائية، مع رفع تمسُّك الأتراك بشعار نيل اعتذار سوري رسمي عن مهاجمة البعثات التركية في سوريا، وسط إعلان أنقرة، للمرة الأولى علناً أنها تنتظر ضوءاً أخضر دولياً لإقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية المحاذية لحدودها.
وقال كبير مستشاري الرئيس عبد الله غول، أرشاد هرمزلو، إنّ وزراء الخارجية العرب وداوود أوغلو سيبحثون اليوم في الرباط «كيفية حماية المدنيين السوريين». ورداً على سؤال من قناة «أن تي في» التركية عن احتمال إنشاء تركيا منطقة عازلة داخل الأراضي السورية، أجاب هرمزلو بأنّ «الأمر يتوقّف على قرار دولي في هذه المسألة، وليس وارداً بالنسبة إلينا أن نبادر إلى اتخاذ هذه الخطوة بمفردنا». وفي السياق، نقلت صحيفة «حرييت» التركية عن مصادرها الدبلوماسية التي لم تسمّها، أن تركيا لا تخطّط لفرض عقوبات ثنائية على سوريا في ظل غياب توصية من مجلس الأمن في هذا الخصوص، «مع أن قرارات وزراء الخارجية العرب الأخيرة تمهّد الطريق لمعاقبة سوريا أمام مجلس الأمن».
ووفق مصادر الصحيفة نفسها، تعتقد أنقرة أن الهجوم على بعثاتها الدبلوماسية كان منظماً من السلطات السورية، بدليل أن أي مقر دبلوماسي أجنبي مجاور للبعثات التركية في دمشق واللاذقية وحلب لم يتعرض للهجوم. وقد تولّى نائب رئيس الحكومة بولنت أرينش، مهمة الطلب رسمياً من السلطات السورية تقديم اعتذار لأنقرة على مهاجمة السفارة والقنصليتين التركية، مقللاً من أهمية الاعتذار الشفهي الذي قدمه وزير الخارجية السوري وليد المعلم قبل يومين. بذلك، تصبح سوريا ثالث دولة تنتظر منها تركيا اعتذاراً رسمياً بعد إسرائيل وأرمينيا. وطالب أرينش باعتذار «عبر القنوات الدبلوماسية»، واصفاً التعاطي السوري الرسمي مع الاحتجاجات الشعبية بأنه «إرهاب دولة». أما رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، فلم يتأخّر عن ركب المصرِّحين حول سوريا، حين كرر أن بلاده «فقدت كل أمل في أن يلبي النظام السوري مطالب الأسرة الدولية في بدء إصلاحات ديموقراطية ووقف العنف». وقال أردوغان أمام البرلمان: «لم نعد ننتظر أن تبرهن إدارة (الرئيس بشار) الأسد على قيادة شريفة ومقنعة وشجاعة ومصممة». وأضاف: «لم يعد أحد ينتظر منه أن يمتثل لمطالب الأسرة الدولية». وجدد تحذيره من أن «الإدارة السورية على طريق خطير جداً، وهي على حد السيف والطريق الذي تسلكه يوصل إلى الهاوية». وعن حادثة مهاجمة مواطنين سوريين البعثات الدبلوماسية التركية، رأى أردوغان أن اعتذار السلطات السورية «لا يكفي»، مطالباً الأسد «بمعاقبة الذين اعتدوا على العلم التركي في اللاذقية». ونقلت وسائل الإعلام التركية عن أردوغان قوله، مخاطباً الرئيس السوري باسمه الأول: «بشار، لديك الآلاف من الأشخاص في السجن، وعليك العثور على الذين هاجموا العلم التركي ومعاقبتهم». وتابع: «أريد أن أوضح لنظام الأسد أنه عبر التاريخ، الذين حاولوا لمس العلم التركي جرى الردّ عليهم، وسيُرَدّ عليهم في المستقبل أيضاً».
ولم يغب غول عن أجواء التصريحات السورية، وانطلق أيضاً من مهاجمة البعثات الدبلوماسية التركية ليخلص إلى أن «من غير الممكن القبول بالهجمات على الوجود التركي في سوريا»، مشدداً على دعم بلاده لقرار الجامعة العربية بشأن تعليق عضوية دمشق. وهدد بأنه «في حال عدم اتخاذ الإجراءات الضرورية وتكرار حصول مثل هذه الهجمات، سيكون رد فعل تركيا مختلفاً». كلام مشابه أطلقه داوود أوغلو الذي رأى أن القيادة السورية «سنحت لها آخر فرصة لوقف أعمال القمع، لكنها رفضتها». كلام صدر عن رئيس الدبلوماسية التركية من العاصمة المغربية الرباط، حيث أشار إلى أن أنقرة تريد «عقوبات ذات أثر ترفع الضرر عن الشعب السوري».
على صعيد الإجراءات التركية ضد سوريا، قررت أنقرة وقف أنشطة التنقيب عن النفط التي تجريها مع سوريا، وهددت بقطع الكهرباء التي تمدها بها منذ عام 2006، وفق ما أعلنه وزير الطاقة تانر يلديز. ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن الوزير التركي قوله إن تركيا «يمكن أن تعيد النظر في إمداد سوريا بالكهرباء إذا استمرت الأجواء الحالية». وفي السياق، اعترف يلديز بوقف التعاون في مجال التنقيب عن النفط بين البلدين، وهو يتعلق بست آبار نفطية كانت تعمل شركة النفط التركية الحكومية والشركة الوطنية السورية للنفط على العمل فيها. اقتصادياً، أعلنت وزارة الاقتصاد التركية إنشاء «مكتب متابعة سوريا» يُعنى ببحث المشاكل التي يواجهها رجال الأعمال والمصدرون وشركات النقل التركية على الأراضي السورية.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)