وصل إلى مراجع رسمية لبنانية تقرير يتضمّن أجزاء من اجتماع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الإثنين الماضي، مع السفراء العرب في موسكو، تناول العلاقات الروسية ــــ العربية وموقف بلاده من أحداث المنطقة، ولا سيما منها ما يجري في سوريا، إضافة إلى المبادرة العربية ومآخذ موسكو عليها. لكن الخلاصة التي استنتجتها المراجع الرسمية اللبنانية من الاجتماع إبراز الوزير الروسي موقفاً متناقضاً بينه وبين الدول الغربية، وكذلك الجامعة العربية، حيال طريقة مواجهة نظام الرئيس بشّار الأسد، وسعي موسكو إلى الحدّ من أي محاولة لتقويض النظام السوري وإسقاطه عبر تدخّل خارجي، مستعيناً بدروس التجربتين الليبية واليمنية. في لقائه مجلس السفراء العرب، تناول لافروف تطورات الشرق الأوسط ولاحظ أنها تثير قلق القيادة الروسية، متحدثاً عن العلاقات الروسية ــــ العربية في نطاق منتدى الحوار الاستراتيجي بين روسيا والدول العربية التي تربطها ببلاده علاقات تاريخية على مرّ عقود.
كذلك تحدّث عن علاقة موسكو بدول مجلس التعاون الخليجي وسبل التعاون والتنسيق معه، مذكراً بأن لقاءه وزراء خارجية دول مجلس التعاون في أبوظبي في أول تشرين الثاني ناقش تعزيز الحوار والتعاون الاستراتيجي معه في شتى المجالات، بما في ذلك أوضاع المنطقة. ولفت إلى أن موسكو ترغب في إيجاد آليات تواصل وحوار، خصوصاً في مثل الظروف الحالية التي تشهد فيها المنطقة عنفاً في سبيل تجنبه.
وأبرَزَ الوزير الروسي للسفراء العرب مواقف موسكو، من غير أن يأتي على ذكر لبنان ولا أوضاعه الداخلية، ولا المحكمة الدولية تحديداً وتمويلها، بعدما أسهب في تناول المسألة السورية على النحو الآتي:
1 ــ استخلصت روسيا العبر الكافية من الدراما الليبية، وهي تتابع باهتمام بالغ تطور الأحداث في سوريا ومصر.
2 ــ تؤيد موسكو تحقيق حياة فضلى للشعوب العربية، وتستنكر أعمال العنف التي تقوم بها الأنظمة ضد مواطنيها الأبرياء. لكنها تستنكر كذلك، وبالنبرة نفسها، أعمال العنف التي تقوم بها القوى والأطراف الراديكالية المتطرفة التي تستخدم شعاراتها وأرواح الناس خدمة لأهداف مغرضة. وقال: تعتقد موسكو بأن هذه القوى والأفرقاء لا تفكر بشعوبها عندما تلجأ إلى التحريض وإلى ممارسات كهذه، وإنما بأهدافها الذاتية.
3 ــ تدعم روسيا التطور التدريجي للشعوب والمجتمعات، لكون فكرة الحوار الاجتماعي تؤدي إلى المصالحة الوطنية في الدول العربية. وتدعو، آخذة في الاعتبار تجربة مخضرمة على مرّ العقود، كل الدول صاحبة التأثير الأساسي إلى استخدام نفوذها الفاعل من أجل تشجيع القوى الوطنية في الدول العربية على إجراء إصلاحات ضرورية في أنظمتها، تعتقد موسكو بأن الأوان قد حان لحصولها. إلا أنها تريد أن ترى إجراء الإصلاحات هذه بلا أي تدخل خارجي. وترفض رفضاً قاطعاً كل نهج يرمي إلى تغيير الأنظمة.
4 ــ أيدت بلاده مبادرة الجامعة العربية لتسوية الأزمة الليبية، لكن أفرقاء آخرين ــــ لم يسمّهم ــــ فسّرت المبادرة على نحو مناقض لما تتوخاه، وحملوها تفسيراً فضفاضاً آل في نهاية المطاف إلى دعم فريق على حساب فريق آخر، ونقل ذلك ليبيا إلى حافة حرب أهلية. وقال لافروف للسفراء العرب: لا أعتقد بأن تصرّفات شركائنا الغربيين هذه أعطت صورة إيجابية للحكام الجدد في ليبيا الذين نود مساعدتهم. ما يهم الآن هو تطبيق القرار الأخير لمجلس الأمن حول ليبيا لتوفير ظروف الانتقال السلمي للحياة. وأصرّ على أن موسكو لن تقبل بعد الآن بتكرار ما تعدّه الدرس الليبي في أي بلد آخر. وقال إن حكومته تلاحظ بأسف كبير اعتماد الأسلوب نفسه في معالجة الأزمة السورية.
5 ــ ترفض بلاده رفضاً قاطعاً تشجيع أفرقاء متطرفين على حمل السلاح ضد دولتهم. كذلك ترفض التصرّف الذي يؤول إلى النتيجة نفسها من الجهة المقابلة، وهو توسّل الحلّ الأمني ضد المواطنين والشعب لمعالجة المشكلة. وأضاف: نحن نستنكر بشدة أي محاولة لاستخدام السلاح والحلّ الأمني ضد الشعب السوري، ونقف ضد التحريض والاستفزازات. لقد شاهدت على إحدى قنوات روسيا تقريراً يروي ما يحدث في حمص وسيطرة قوى المعارضة على المدينة واستخدامها العنف ضد المدنيين العزّل. لا يمكننا أن نقبل بذلك وندعو إلى حلّ سلمي.
6 ــ أيدت موسكو على نحو كامل مبادرة الجامعة العربية عندما دعت طرفي النزاع إلى نبذ العنف أياً يكن مصدره، وتؤيد أيضاً بنوداً أخرى فيها بما في ذلك إرسال فريق من المراقبين وخلق ظروف تتيح الحوار بين الجميع. ولكنها دُهشت من مواقف صدرت عن عدد من الدول الغربية، على أثر إعلان المبادرة، راحت تشجع المعارضة السورية على عدم استجابة طلب السلطة الدخول في حوار وطني لمناقشة الخلافات الداخلية القائمة.
7 ــ ترفض بلاده بما لا يقبل الجدل أي محاولة لإقران المعالجات والتسويات بمنطق الإنذارات والتهويل، وترى أن لغة الإنذارات هذه التي رافقت المبادرة العربية غير مجدية. وقال: نلاحظ محاولات واضحة تثير قلقنا تسعى إلى تحويل المبادرة العربية إلى إنذار أخير.
8 ــ قدّرت موسكو دور دول مجلس التعاون الخليجي لتسوية أزمة اليمن بلا إنذارات ونجحت، وأدى ذلك إلى التهدئة على رغم انقسام الجيش. اتخذت هناك قرارات بعيدة من الإنذارات وبموافقة أعضاء مجلس الأمن جميعاً. والآن نشهد انتقال اليمن إلى حياة سلمية بعيداً من النزاع والتوتر. الحري أن ينظر إلى الأزمة السورية على نحو مماثل.
9 ــ تتوقع موسكو من دول المنطقة اتخاذ مواقف مسؤولة تجعلها تدرك أن التوصّل إلى اتفاق هو أكثر أهمية من توجيه إنذارات أخيرة. ويقتضي ذلك الأخذ في الاعتبار أحداث المنطقة. قال لافروف للسفراء: إن رفض الحوار أو التشجيع على رفض الحوار الوطني مضر، ونحن نتابع بقلق أحداث مصر والكويت. ونعتقد أيضاً بأن أصدقاءنا العرب يعون أن هناك قوة معينة مهتمة بإيجاد المزيد من الغليان في المنطقة من أجل تهميش القضية المركزية التي هي الصراع العربي ــ الإسرائيلي. ما يدهشنا فعلاً أن العالم العربي بدأ يشهد توترات تهدّده بالانفصال بعدما تمكنت الفصائل الفلسطينية من تحقيق المصالحة.
10 ــ تعتقد موسكو بأن محاولات عزل إيران في المجتمع الدولي ترمي إلى تغيير النظام أساساً، ولذا تدعوها إلى الوفاء بالتزاماتها الدولية. وتحض الآخرين في الوقت نفسه على الابتعاد عن لغة الإنذارات من أجل الوصول إلى نتائج مرضية للجميع. وقال: موسكو تعارض باستمرار أي محاولة لخرق عدم الانتشار النووي.
بعد هذه المواقف تعاقب السفراء العرب على إبداء وجهات نظرهم، وتمحورت في معظمها على حض روسيا على السعي لدى كل من سوريا وإيران على التجاوب مع المبادرة العربية، ووقف دورة العنف والقتل في سوريا، وتأمين انتقال هادئ للسلطة. فردّ الوزير الروسي بأن بلاده كانت أول من نشط لحمل الرئيس السوري على الموافقة على المبادرة العربية، وأكد للسفراء أن دمشق قامت من الناحية الفنية بكل ما هو مطلوب منها، لكن الأمر تعثر في اجتماع القاهرة الذي دفع المسعى العربي في اتجاه مختلف ومناقض لروحية المبادرة، وهو ما أثار تحفظ موسكو وحملها على انتقاد نتائج الاجتماع الأخير للوزراء العرب في العاصمة المصرية.
وأضاف: أنا على يقين أن التوتر والعنف في سوريا كان بلغ حداً أدنى، لو تعاملت الجامعة العربية مع الأزمة بالطريقة التي عملت دول مجلس التعاون الخليجي على تسوية الأزمة اليمنية.
وانتهى إلى خلاصة موقف بلاده من أزمات المنطقة، بالقول: ثمة مشكلات كثيرة تتطلب معالجات عاقلة وهادئة، ولدى موسكو آليات كافية للوصول إلى هذا الهدف، وكذلك إرادة طيّبة من أجل تسوية الأزمات كلها سلمياً، وهو ما تنادي به. وقال مستطرداً أيضاً إن أزمتي الصحراء الغربية والسودان تقتضي معالجتهما وفق الشرعية الدولية.