لم يكن ينقص رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، سوى أن تُجرى انتخابات بلدية في لبنان. وإذا كان التحالف بين التيار الوطني الحرّ وحزب القوات اللبنانية أو «تحالف المسيحيين»، كما يسمّيه الزعيم الدرزي، يشكّل هاجساً لديه، فإن إجراء الانتخابات البلدية في هذا التوقيت «الحرج»، يضع الحزب الاشتراكي أمام تحدّيات داخلية كان في غنىً عنها، خصوصاً مع تعثّر المرحلة الانتقالية التي يسعى إليها جنبلاط، لتوريث الحزب الذي ورثه عن والده، لولده تيمور.
ولا شكّ في أن الانتخابات البلدية تترك بالغ الأثر على القرى والبلدات اللبنانية وتُدخلها في صراعات عائلية وحزبية ضيّقة. غير أنها تأخذ مداها في القرى الدرزية، من الشوف إلى عاليه والمتن الأعلى وحاصبيا وراشيا، وتُظَهِّر الانقسامات نفسها داخل جسم الحزب الاشتراكي وبين محازبيه.
في تشرين الأول 2012، نكث جنبلاط بوعده لمحازبيه بترك رئاسة الحزب وإجراء انتخابات داخلية لاختيار رئيس جديد، ولم تصدح أصوات الاعتراض طبعاً. وفي المرحلة التالية، بدأ بإدخال ولده تيمور إلى «العمل على الأرض»، تمهيداً لنقل الزعامة، مستتبعاً قراره بسلسلة إجراءات داخل الحزب تستهدف إزاحة «الحرس القديم» لحساب «حرسٍ جديد»، يرأسه الوزير وائل أبو فاعور، ليكون مواكباً للزعيم الفتي.
غير أن رياح «التحديث» لم تجرِ كما تشتهي سفن جنبلاط، فلا الحرس القديم ابتعد، ولا الحرس الجديد استطاع أن يمسك بمقاليد الإدارة الحزبية التي اشتهر بها الاشتراكيون، فيما لم يقدّم تيمور نفسه أمام الحالة الجنبلاطية أبعد من «مثقّف يساري محبط»، تهمّه أخبار بوردو الفرنسية، أكثر من أزمات بلدة مرستي في الشوف أو العزونية في جرد عاليه.
وتبدو خطوة إقصاء القيادي الاشتراكي هشام ناصر الدين عن ملفّ الانتخابات ووضعه في عهدة مفوّض داخلية الحزب هادي أبو الحسن كوجه شبابي جديد، مؤشّراً لدى «مراقبي» الاشتراكي على التحوّلات الداخلية. مع أنه في تاريخ ناصر الدين الكثير من محطّات الإقصاء والعودة إلى صفوف العمل الحزبي.
للمرة الأولى، يلمس خصوم جنبلاط في الجبل مدى الصعوبات التي يواجهها الحزب الاشتراكي «الرسمي» في فرض لوائحه وخياراته على المحازبين والناخبين، في ظلّ قرار من جنبلاط بالابتعاد عن «التعليب» وعدم التدخّل مباشرةً في فرض المرشّحين واللوائح. وبدل ذلك، يعمل «الرسميون» على دعم مرشّحيهم بشكل موارب، مع الانفتاح على الخصوم بشكل كبير، مع أولوية الانفتاح على الحزب الديموقراطي اللبناني وعدم الوقوف بوجه مرشّحيه، ثم الحزب السوري القومي الاجتماعي، في مقابل محاولات تقويض تمدّد الوزير السابق وئام وهّاب في قرى الشوف. ويشكّل التحالف العوني ــــ القواتي حجر عثرة أمام فوز الحزب الاشتراكي ببلديات القرى المختلطة، على عكس انتخابات 2010، حيث استفاد الاشتراكيون من الخصام القواتي ــــ العوني لعقد تحالفات موضعية بحسب كل بلدة، لضمان الهيمنة الاشتراكية على القرار البلدي.
ويشير أكثر من مصدر في قوى 8 آذار «الدرزية»، إلى أن غياب المال الانتخابي لدى الاشتراكي، سمح لشخصيات ومسؤولين اشتراكيين سابقين ومتموّلين، في التأثير بسير الترشيحات وتركيب اللوائح، ومنح هؤلاء هامشاً أوسع للحركة، بما لا يتناسب مع التوجّه المركزي في كليمنصو.
في منطقة حاصبيا مثلاً، ينعكس الخلاف والمنافسة بين وكيل الداخلية السابق سمير علوان وابن عمّه وكيل الداخلية الحالي شفيق علوان، انقساماً حادّاً على التحضير للانتخابات في غالبية القرى. وينعكس الخلاف ضعفاً على جسم الحزب والاجتماعات الدورية في القرى وعلى الحالة الشعبية، في مقابل توسّع حالة الحزب الديموقراطي. ثمّ يزداد الخلاف مع تقارب الشيخ سليمان شجاع المحسوب على جنبلاط من شفيق علوان، وتقارب شقيقه الشيخ فندي شجاع، المحسوب على جنبلاط أيضاً، من سمير علوان. فضلاً عن «الحرب» التي يشنّها الشيخ الاشتراكي كمال الخماسي على تنظيم الحزب الاشتراكي ممثّلاً بشفيق علوان.
ينعكس الخلاف في الشّحار بين شهيّب والعريضي على بلديتي بيصور وكفرمتى

ومن حاصبيا إلى راشيا، حيث بات الاشتراكيون المعترضون يطلقون على وكالة داخلية الحزب لقب «عنجر»، تيمّناً بمقرّ الاستخبارات السورية في البقاع أيام الوجود السوري، لا يلتزم أبو فاعور عدم التدخّل مباشرةً في تركيب اللوائح ويفضّل الانفتاح على الوزير السابق فيصل الداوود ومواجهة الحزب الديموقراطي. ويؤكّد مصدر اشتراكي «معترض» أن وزير الصّحة أصدر قراراً بوجوب العودة إلى وكالة داخلية راشيا قبل الشروع في أي ترشيح. وقبل أيام، زاد أبو فاعور من حجم الانقسام بعد اللقاء العاصف في «حارة الشرفة» في مدينة راشيا، بعد تهديداته لمشايخ الحارة للتخلي عن ترشيح زياد العريان، الذي يلتف حوله جزء لا بأس به من أبناء المدينة، ويدعمه القيادي الاشتراكي سهيل القضماني.
من جبل الشيخ إلى جبل لبنان، لا يبدو الحزب أفضل حالاً. فأبو الحسن، الذي يضطلع بدور مفوض الداخلية، يضطر إلى متابعة وكالة داخلية المتن الأعلى في ظل عدم قدرته على تعيين وكيل داخلية جديد بعد ابتعاد الوكيل السابق فاروق الأعور وانصرافه إلى أعماله الخاصة، فضلاً عن المواجهة التي يخوضها القيادي شبلي المصري مع أبو الحسن.
وينقسم الاشتراكيون في الشويفات حول وكيل الداخلية الجديد مروان أبو فرج. إذ يخاصمه القيادي صلاح صعب المعروف بـ«جيفاكو» والوكيل السابق جلال الجردي، بينما يقف إلى جانبه القيادي هيثم الجردي «أبو الشهيد»، وينعكس الخلاف على جسم التنظيم وعلى الاجتماعات الدورية في الوكالة. أمّا عاليه، فعلى الرغم من مواكبة الوزير أكرم شهيّب عمل وكيل الداخلية خضر الغضبان، إلّا أن الأخير لم يستطع تحرير التنظيم الحزبي من تأثير وكيل الداخلية السابق عماد ضو. وفي ظلّ سير جنبلاط بالرئيس الحالي لبلدية عاليه وجدي مراد لعدم وجود بديل اشتراكي قوي، يعدّ القيادي الاشتراكي السابق كمال منيف نفسه لتشكيل لائحة مواجهة. ويتوسّع الخلاف في عاليه وجردها، وصولاً إلى الشّحار الغربي، حيث ينعكس الخلاف في الشحار بين شهيّب والنائب غازي العريضي، حيث يبرز الانقسام في بلديتي بيصور وكفرمتى مباشرةً، لجهة دعم النائبين مرشحين متقابلين في البلدتين. أما في بتاتر في جرد عاليه، فيخوض القيادي فادي غريزي معركة في مقابل لائحة الاشتراكي الرسمية، على الرغم من تمنّي جنبلاط على «وجوه الحرب» بعدم الترشّح. ويتسلّح غريزي لتبرير ترشّحه بترشّح القيادي الاشتراكي جمال عمّار «أبو عمار» في عين عنوب، وهو أحد أبرز وجوه الحرب. إلّا أن غريزي بحسب مصادر متابعة، يضع رئاسة اتحاد بلديات الجرد في حساباته، ما يضعه في مواجهة وكيل الداخلية زياد شيّا، الذي سينحسر تأثيره في القرى، في حال فوز غريزي برئاسة الاتحاد، مع امتلاكه ثروة «معتبرة».
وتبدو المفارقة في الشوف، حيث لا يمانع جنبلاط في منح بلدية كفرحيم لمرشّح الحزب القومي نسيب أبو ضرغم، بينما يعمل الاشتراكيون «الرسميون» على محاولة منع الوزير السابق وئام وهّاب من الحصول على حصص وازنة في غالبية قرى المناصف.