هلوساتٌ بين يدَي قابيل وهابيل

  • 0
  • ض
  • ض

«ما في داعي للحزام أستاذ، ما عرفت إنهم لغوا قانون الطوارئ؟». ما زالت هذه الجملة ترنّ في بالي منذ أن قالها لي سائق سيارة أجرة في صباحٍ دمشقي نيساني عام 2011. وقتها ظننت الجملة مجرّد دعابة، لكنّني لم أضحك، وحسناً فعلت، إذ سرعان ما اكتشفتُ أن الرجل جادّ تماماً. وبقدر ما تعكس هذه الحادثة الصغيرة حجم انفصال الشارع السوري عن القوانين والتشريعات التي تحكمُه، بقدر ما يُثير الدهشة أنّ هذا الانفصال لا يزالُ قائماً حتى اليوم بعد كل ما شهدته البلاد، بل إنّه طغى وشاع حتى بات أقرب إلى حالة عامّة، وبصورة يصعُب تصديق كونها عفوية وغير ممنهجة. قبل أقلّ من شهر، سرت أنباء بين سكّان اللاذقيّة عن إقالة «مدير مدينة اللاذقيّة»، وتحوّل الخبر إلى مادة للتندّر بفعل المسمّى الوظيفي للمدير المُقال. صحيح أنّ عمل هذا «المدير» وفق ما نصّ عليه قانون «الإدارة المحليّة» هو عملٌ أشبه بأعمال «السكرتاريا»، ما يجعلُ التماس بينه وبين المواطن في حدوده الدنيا، لكنّ هذا لا يُبرر عدم سماع السكان بمختلف شرائحهم بوجود هذا المنصب، ولا سيّما أنّه جزء من المنظومة التي يُفترض أنها الأكثر التصاقاً بالشارع. مهلاً، ثمة تفصيل أشد أهميّة، ويتعلق بأسباب إقالة المدير. لقد حصل «تماسٌ» بينه وبين الشعب، وقام بـ«الابتزاز الجنسي لسيدة من عائلات الشهداء». (هل هنالك حاجة للإشارة إلى أنّ المدير سبق له أن نال «ثقة القيادة» قبل ستة أشهر فقط، حين تمّ تعيينه ليكون أوّل شاغل لهذا المنصب المُستحدث؟ أم أنّ الأمر ليس مهمّاً طالما أنّ «الثقة» قد سُحبت منه؟). أُفكر اليوم بذلك السائق، وأتمنى لو أهتدي إليه. قد أطلب منه أن يصطحبني بجولة في دمشق ومحيطها، قبل أن نعرّج على قاسيون ونزور «مغارة الدم» التي يُقال إنّ قابيل قتل أخاه هابيل فيها. ربّما طاب لي وقتها أن أقوم بدور المتثاقف، وأسأل السائق: برأيك، هل كانت هذه المرويّة مجرّد أسطورة ربطت بين دمشق والحادثة الدمويّة «الأخويّة»؟ هل كانت نبوءة؟ أم لعنة؟. قد أستفيضُ وأقول لصاحبي قرب المغارة: «لماذا لا يملك أحد معلومة قاطعة عن أوّل انتخابات أُجريت في تاريخ البشر، فيما يتفق الجميع على أنّ دم الأخ كان أوّل دمِ مسفوك في التاريخ؟». ما لن أستطيع تخيّله حتماً هو جواب الرجل عن هلوساتي المفترضة، فقد تماهى في ذهني كليّاً مع جملة وحيدة «لغوا قانون الطوارئ». حسناً، إذا حصل والتقيته ذات يوم، فسأسارع فوراً إلى ضرب كفّي بكفّه وأقول له «ليس قانون الطوارئ وحده، لقد أُلغيت المادة الثامنة أيضاً يا رجل».

0 تعليق

التعليقات