في صالة مخصّصة للأفراح وقفت لولو بين أصدقائها وأهلها، مرتدية فستان زفافها الأبيض. كان كل شيء في تلك الليلة مطابقاً للتفاصيل التي رسمتها في خيالها، مع فارق جوهري: لم يكن العريس بقربها، ولا حتى في القارّة نفسها! من بعيد أطلّ الرجل عبر شاشة «الموبايل» ليشاركها جزءاً من «ليلة العمر».تعرفت لولو عثماني بزوجها عام 2011، أثناء دراستهما معاً في «جامعة تشرين» باللاذقية، قبل أن تجبره الحرب عام 2012 على الفرار من مسقط رأسه الزبداني، إلى لبنان فتركيا، لينتهي به المطاف في هولندا. «لبست خاتم الخطبة بمفردي بعد أن تواصل أهله مع أهلي» تقول عثماني، وتضيف: «خطيبي لا يستطيع العودة إلى سوريا، فاتفقنا على إقامة حفل زفاف من دون وجوده»! انتظرت العروس عامين قبل أن تحصل على موافقة «لمّ الشمل» وتسافر بفستانها الأبيض إلى شريك حياتها بعد خمس سنوات من افتراقهما. لا ترى عثماني حفل الزفاف الذي أقامته أمراً غريباً، «فلستُ أول فتاة سوريّة تقيم حفل زفافها من دون وجود عريسها، أصبح الأمر معتاداً. أعرف كثيرات تزوجن بهذه الطريقة». تقول: «من حق الفتاة أن تعيش تفاصيل حفل زفافها وترتدي الفستان الأبيض وسط أهلها وأصدقائها، ليس ذنبنا أن الحرب سبّبت هجرة شبابنا. كان الحفل جميلاً، إلا أنه لم يخلُ من غصّة لعدم وجوده (العريس) بجانبي».
«بكيت كثيراً وشعرت بالوحدة والغربة، والفرح فقط لعدم وجود ما يفرقنا بعد الآن»


ويؤكد القاضي الشرعي الأول في دمشق محمود معرّاوي أن «حالات الزواج بالوكالة ارتفعت كثيراً في سنوات الحرب». ويوضح معرّاوي لـ«الأخبار» أن هذا النوع من الزواج «كان نادراً قبل الحرب بسبب سهولة اجتماع العروسين وعقد قرانهما، الأمر الذي لم يعد متاحاً للكثيرين خلال الحرب». تفيد إحصاءات «المحكمة الشرعية» بأن حالات الزواج بالوكالة قد ارتفعت عام 2016 بنسبة تقارب 50 في المئة عن السنوات التي سبقتها، ولا توجد إحصاءات حديثة في هذا الصدد، لكن معرّاوي ذكر مراراً أن«المحاكم الشرعية تستقبل يومياً عقود زواج من هذا النوع». والزواج بالوكالة زواج يكون فيه أحد العروسين غير موجود عند عقد القران، فيقوم بإرسال «وكيل شرعي» عنه إلى المحكمة. وتُعدّ «المحاكم الشرعيّة» في سوريا المرجع القانوني لعقد الزواج، والشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع في «قانون الأحوال الشخصية» للمسلمين. كذلك تُعد الديانة المسيحية المرجع القانوني للأحوال الشخصية للمسيحيين.

الزواج عن بعد: «بطّيخة»!
تعيش سمر مع زوجها وأهله في السعودية منذ عامين. كانت الصبيّة الدمشقية قد أقامت حفل زفاف قبل سفرها. اهتمت بكل التفاصيل بنفسها، حتى أنها استأجرت سيارة فارهة، لتزفّ نفسها عروساً. تقول سمر: «رآني زوجي أول مرة في دمشق عام 2013 قبل أن يسافر. حاول التواصل معي من طريق الإنترنت بعد سنة. طلبني مراراً من أهلي الذين ظلوا رافضين لفكرة التعارف والزواج بهذه الطريقة طوال سنتين، لكنهم وافقوا بعد سماعهم بكثير من حالات الزواج عن بعد، وتعرفوا إلى أهله من طريق الإنترنت أيضاً». أصرّت سمر على إقامة حفل زفاف حتى في ظل غياب العريس، لتسعد أمها وأختها الوحيدة وتكون فرصة لوداع الأصدقاء والأقارب قبل السفر. بعد وصولها إلى السعودية أقامت حفل زفاف آخر بوجود العريس وأهله، لكنها تعدّ الحفل الذي أقامته في دمشق الأقرب إلى قلبها، لأنّ «في السعودية شعرت بالغربة، أما في دمشق، ورغم الحرب، فقد كنت أكثر سعادة وحريّة». ترى السيدة أن الزواج بهذه الطريقة «يشبه البطيخة، لا أحد يعرف ما بداخلها قبل كسرها»، وتؤكّد أنها تعيش حياة مستقرة مع زوجها ومولودتهما الصغيرة، لكنها تعرف كثيرات «لم تنجح تجارب تعارفهنّ وزواجهنّ عن بعد».
في هذا السياق، يفرّق معرّاوي، القاضي الشرعي الأول، بين نوعين من حالات الزواج عن بعد: الأول يجري بين أهل وأقرباء، أو على الأقل بين شخصين عرف أحدهما الآخر سابقاً. أما الثاني، فيكون بعد التعارف عبر «السوشال ميديا». يقول إنّ «نسبة لا بأس بها من حالات الزواج بالوكالة جرت بين أشخاص عرف بعضهم بعضاً من طريق مواقع التواصل الاجتماعي، كذلك توجد صفحات خاصة للتعارف ومكاتب افتراضية للراغبين بالزواج». ويضيف: «كثير من حالات الزواج من طريق الإنترنت تنتهي بالطلاق، بسبب عدم توافق الزوجين واختلاف العالم الحقيقي عن العالم الافتراضي».

عرائس في الانتظار
قبل أكثر من عام أقامت فاطمة أنس حفل زفاف من دون عريسها. ولا تزال حتى اليوم في اللاذقية، تنتظر فرصة تسمح لها بالسفر إلى زوجها الفلسطيني - السوري المقيم في تركيا. تقول: «كان زواجاً تقليدياً، تقدم أهله لخطبتي. لم أرغب في حرمان نفسي الفستان الأبيض، وحفل الزفاف كان جميلاً ومليئاً بالمفاجآت من العريس وأهله». برغم ذلك، تشير فاطمة إلى ندمها على دفع تكاليف الزفاف العالية، وتوضح قائلةً: «كان يمكن استخدام تلك النقود في تسهيل سفري إلى زوجي»، وتستدرك: «لكن من حقي أيضاً أن أرتدي الفستان الأبيض».
حكاية أخرى ترويها أمل، ابنة مدينة عين العرب (كوباني). تقول الفتاة: «عشنا قصّة حب مدة سبع سنوات. كنا نستعد للارتباط رسميّاً عندما اقتحم مسلحو داعش منطقتنا، فاضطررنا إلى اللجوء مع عائلتينا إلى تركيا». أُرجئ الزواج، والعريس «لم يحتمل العمل عند الأتراك. قررنا السفر إلى أوروبا، لكننا لم نكن نملك المال الكافي، فسافر بمفرده إلى الدانمارك». بعد طرد مسلحي «داعش» من عين العرب عادت أمل بصحبة أهلها إلى مدينتها، وأرسل حبيبها أهله لطلب يدها. تقول: «بعد انتظار دام ثمانية أعوام اضطررت إلى الاحتفال بزفافنا من دون وجوده». تصف أمل مشاعرها المختلطة في الحفل، فتقول: «بكيت كثيراً وشعرت بالوحدة والغربة، والفرح فقط لعدم وجود ما يفرقنا بعد الآن». لكنّ الجغرافيا ما زالت عائقاً يفرّق بين العروسين، ولا تزال أمل في انتظار اكتمال إجراءات السفر إلى زوجها.

حفلان... على أمل الثالث
في مدينة ألمانيّة على حدود فرنسا تعيش غزل خلّوف وزوجها غيث، وهما من ريف حماة. كانا قد تعارفا خلال دراستهما الجامعية قبل نحو ثمانية أعوام، وعاشا قصة حب دامت ثلاث سنوات، قبل أن يسافر الشاب إلى ألمانيا. تقول غزل: «جاء أقاربه وطلبوني من أهلي. لم يكن يستطيع القدوم إلى سوريا حينها، لكنه ألحّ عليّ بأن أقيم حفل زفاف لي». بدلاً من الحفل، أقامت غزل اثنين: الأول في المنزل للأقارب، والثاني في صالة أفراح للأصدقاء. وتضيف: «لبست الفستان الأبيض، وشاركنا غيث بعض التفاصيل عبر الإنترنت». بعد أسبوع من زفافها سافرت غزل إلى زوجها حاملة معها «ألبوم صور لحفلتيها، وذكريات جميلة برغم انتقادات البعض». اليوم تنتظر السيدة عودتهما معاً إلى سوريا، ولو بعد حين، وتقول: «وعدني بحفل زفاف كبير حال عودتنا إلى سوريا، حتى لو كان لدينا أولاد».