تلفت نظرك بابتسامتها الهادئة، ووشاحها الأبيض التقليدي، وتلك السبحة التي لا تفارق يدها. أم محمد سيدة تفترش أرصفة الشام. بأناقة تضع حوائجها التي وزعتها بشكل منمق، لن تسمع لها صوتاً ينادي أو يطلبك أو يرجوك أن تشتري منها.تقول أم محمد (75 عاماً) من أبناء داريا «يعرفني معظم أرصفة دمشق، فأنا منذ أكثر من أربعين سنة أسكن على هذه الأرصفة، أبيع الخبز بمعظم أنواعه: صاج، وتنور، وأبيض، وأسمر. كما أبيع المنتجات التي كنت أصنعها في البداية مع بناتي ومن ثم زوجات أبنائي: اللبنة، والجبنة، والكشك». تتفاخر السيدة الدارانيّة بأنّ كثيراً من زبائنها «يأتون إليّ في أي مكان أجلس فيه، لأنهم لمسوا الأمانة والمحبة والصدق في المواد التي أبيعها. هم يأمنون على بيوتهم وأبنائهم حين يطعمونهم منتجاتي». وتضيف «بقيت عشر سنوات أبيع بالقرب من سوق الحميدية، ومنطقة ركن الدين، ومنطقة الجسر الأبيض، وشارع الحمرا، لقد أكلت هذه الأرصفة جزءاً من جسمي». خطف الموت زوج السيدة باكراً، إثر مرضه. «ترك لي ثلاث بنات وثلاثة أولاد، لجميعهم أفواه مفتوحة تطلب الطعام ولا يملكون سوى أيدٍ صغيرة لا تصلح للعمل في الأرض أو أي مكان. ولم يهن عليّ أن أمدّ يدي طالبةً معونة أحد». حاولت أم محمد دفع أبنائها إلى إكمال تعليمهم، لكنّهم «أرادوا أن يحملوا معي جزءاً من العبء، فتعلموا النجارة، مهنة والدهم. وبالفعل، استطعت بفضل عملي ومساعدتهم بناء بيت لنا». قبل الحرب «قررت أن أرتاح من برد الأرصفة الذي خرق عظامي ومن شمسها الحارقة»، تقول. لكن «اندلعت الحرب. دُمّر منزلي، ومات اثنان من أبنائي مخلفَين وراءهما كوماً من اللحم، يحتاج من يطعمه ويمسك بيده». هكذا، عادت السيدة إلى الأرصفة من جديد.
لا تجد أم محمد حرجاً في تصويرها أو الكتابة عنها. تبتسم وتقول «ليش لا! بلكي شافهم ابني اللي بألمانيا، أكيد رح ينبسط».