شواهد منكوبة: السيارات في زمن الحرب و«ما بعدها»

  • 0
  • ض
  • ض
شواهد منكوبة: السيارات في زمن الحرب و«ما بعدها»

إذا كان جرحى الحرب والمعطوبون نفسياً ــ على كثرتهم ــ يحتلون قوائم الشواهد البشرية على وحشية المرحلة، فإن الخسائر المادية لا تقتصر على الأطلال الحجرية لما كان قبل الدمار منازل وادعةً وأسواقاً مزدحمة. سيارات متوقفة على جوانب الطرق المتعرجة في دمشق القديمة، تبدو كإشارات استدلالية على قذائف دموية. زجاج متكسّر متناثر قطعاً صغيرة، على هياكل معدنية يأكلها الصدأ، تركها أصحابها في مكانها، من دون أن يفكروا حتى في إزالة نُثار الزجاج عن فرشها الداخلي. لعلّ أصحابها أنفسهم قد غابوا، وسط زحام أسباب الغياب الكثيرة خلال الحرب الطاحنة. وعلى امتداد الطريق من «القيمريّة»، مروراً بالطريق المستقيم، وانتهاءً بـ«باب شرقي», يمكن أن تلحظ سيارات عديدة لم تُنقَل من أماكن استهدافها بالقذائف العشوائيّة، القادمة من مناطق سيطرة المسلّحين، ولا سيّما حي «جوبر» المجاور، المنكوب بدوره. يتيح المشهد وقفة تأمل لـ«مرحلة القذائف» التي عاشتها المدينة القديمة، فلم تترك بشراً أو حجراً أو آليات بعجلات قديمة أو حديثة، فيما تسجّل السيارات حضوراً في هذه المرحلة أيضاً، والتي يصفها البعض مجازاً بـ«ما بعد الحرب». هكذا، وببساطة، يمكن أن يمضي أحدهم ليتفقد سيارته في حي «مشروع دمر»، ومحيط مشابه له من حيث الهدوء المروري، فيجدها بلا عجلاتها الأربع!. هي معضلة تواجه أصحاب السيارات منذ أشهر، إذ تتزايد باطّراد حوادث السرقة المتكررة، بأغرب صورها: سرقة العجلات. ويتهافت اللصوص على مختلف أنواع السيارات غير معنيين بخسائر أصحاب السيارات المتواضعة. وإذ يكلل الجوع مرحلة «ما بعد الحرب»، يضيق الخناق أكثر فأكثر على أصحاب السيارات المسروقة عجلاتها، وتحديداً من ينتمي منهم إلى «الطبقة الوسطى». التسمية الأخيرة باتت مجرّد مجاز، بعد أن اضمحلّت تلك الطبقة، وهبط معظم أفرادها درجة، أو درجات، في سلّم «الطبقات الاقتصاديّة». هي بلاد استعارت أقدام مصابي الحرب من فقرائها لتبقى واقفة، وعجلات سياراتهم على أمل أن تسير مجدداً، فيما بقي أغنياؤها محصّنين ضد معظم أنواع الخسائر المحتملة.

0 تعليق

التعليقات