عامٌ مرّ على آخر قذيفة هاون استهدفت العاصمة دمشق. اليوم اختلف نمط حياة الدمشقيين وتغيرت همومهم، وأصبحت قصص قذائف الهاون عبارة عن «تنذكر وما تنعاد». اختفت من التداول أسئلة من قبيل: أين كنت عند سقوط تلك القذيفة؟ هل تعرف أحداً من ضحايا ذلك التفجير؟ لتحلّ محلها أسئلة من قبيل: أين وصل الدور في طابور البنزين؟ ومن يستطيع أن يؤمن لك جرة غاز؟عادت حركة العمل في مشفى «المجتهد» إلى ما كانت عليه قبل الحرب، ولم يعد «التأهّب الدائم» لازماً، بعد أن اختفت الحالات الطارئة الناجمة عن القذائف من «قسم الإسعاف». أحمد إبراهيم «رئيس تمريض» في المشفى، عمل في قسم الإسعاف بين عامي 2011 و2018، وكان شاهداً على الفترة العصبية؛ يقول لـ«الأخبار»: «أحياناً كنا نواجه أكثر من تفجير في اليوم نفسه، وعدداً من قذائف الهاون في مناطق قريبة وبشكل متتالٍ».
ذهبت رهبة الأمكنة التي ارتبط اسمها بكلمة قذيفة


لا ينسى الصحافي فراس القاضي، تاريخ 16 أيار 2018، يوم أصيب بـ«آخر قذيفة هاون» استهدفت العاصمة. سقطت القذيفة قرب «جسر فيكتوريا»، وكان نصيب القاضي إصابة في الرأس كادت تودي بحياته. يقول القاضي: «سقطت القذيفة في منطقة شديدة الازدحام وسط المدينة. أُسعف المصابون إلى مشفيي المجتهد والمواساة، فكنا نحو 14 مصاباً في المجتهد»، ويضيف: «اليوم عادت الحياة إلى طبيعتها، ذهبت رهبة الأمكنة التي ارتبط اسمها بكلمة قذيفة، كساحة الأمويين، العدوي، باب توما، جرمانا، وغيرها. اليوم نمشي في كل شوارع الشام مطمئني البال، قد نتذكر يوم سقطت قذيفة هنا أو هناك، وقد لا نتذكر أبداً».
تسكن ابتسام نعمان، في منطقة «المزة» التي نالت نصيبها من قذائف الهاون طوال سنوات. امتنعت السيدة وأطفالها لفترة عن الخروج من المنزل، إلا للضرورات. لاحقاً، كسرت «الحصار الذاتي»، بعد أن سلمت أمرها للقضاء والقدر. تقول: «كان قلبي يقع في كل مرة أسمع فيها صوت قذيفة، وأتخيل مشاهد مؤلمة كالتي نتابعها في نشرات الأخبار. أصابت بعض القذائف عدداً ممن أعرفهم، وكان بعضها قريباً مني أحياناً». وتضيف: «الحمد لله نجونا جسدياً. لكننا حتى اليوم، نعاني نفسيّاً آثار تلك المرحلة. ما زلنا، أنا وطفلتي الكبرى، نصاب بالذعر عند سماع أي صوت مفاجئ، يذكرنا بتلك الأيام الصعبة».