ابتهجت النملة لأن الحريق لم يأكل كلّ قمحها. رفعت رأسها إلى السماء، وشكرتها لأنّها ما زالت قادرة على بيع ما بقي للسيد جندب. في الأثناء، كان الجندب قد أحكم ربطة عنقه، وضع ساقاً فوق ساق، ونفث كمية معتبرة من دخان سيجاره الفخم بعد أن أشعله أحد مساعديه. استعرض موجز البريد الإلكتروني الذي وضعته السكرتيرة الحسناء أمامه على الطاولة، شعر بالرضى الغامر عن حسن تدبيره، وشطارته في «الاقتصاد الحربي». «نحن على أتمّ الاستعداد للقيام بواجباتنا التاريخية، واستيراد الكميات اللازمة لسدّ العجز الذي ولّدته الحرائق»، قال جندب الاقتصاد الألمعي في ختام تصريحات إعلاميّة مهمة أدلى بها بعد أيام. في حفلة نهاية الأسبوع، أصغى باستمتاع إلى الأوركسترا، وشعر بالغبطة بفعل الأداء المتميز لجوقة النمل التي راحت تكيل المدائح له. المسؤوليات الجسيمة التي ينهض بها، لم تُلهه عن المهمات الثقافية التي ترتّبت عليه، منذ أن أخذ على عاتقه إعادة كتابة تاريخه، وكل التاريخ، وتصحيح الصورة الخاطئة التي روّجتها عن فصيلته «الأساطير». في نهاية الشهر، احتفلت الأوساط الثقافية بصدور مجموعة كتب جديدة عن «دار الجندب الثقافية». فيما بدأت فضائية «البيادر» إعادة عرض حلقات السلسلة الوثائقيّة القيّمة «إيسوب الكذّاب». أخذت السلسلة على عاتقها تفنيد الكذبات الكثيرة لإيسوب، وقدّمت شهادات مجتمعيّة حيّة يؤكد أصحابها أن «العنب الحامض» لذيذ جدّاً، وغنيّ بالفوائد الجمة. لم تكتف السلسلة بذلك، بل استضافت عدداً من الخبراء والمحللين الأجلّاء، الذين سلّطوا الضوء على حماقة إيسوب، فقد ثبت بالدليل القاطع أنه «لم ينضج للحرية بعد»، كما أكّد سيده إكسانتوس في المسرحيّة الشهيرة («الثعلب والعنب»، تأليف غيليرمي فيجيريدو). بإلهام من السلسلة الوثائقيّة، قرّرت شركة «الجندب الأحمر للإنتاج الفني» إنتاج مسرحيّة جديدة، عنوانها «صحوة إيسوب»، تحاكي المسرحيّة الأم في بعض جوانبها، لكنّها تنتهي «كما يجب». في ختام المسرحيّة الجديدة، اعترف اللص إيسوب بأنه سارق بالفعل، وأقرّ بأنّه لم يزل عبداً، وأن العقاب المناسب له هو الجَلد بالسوط. كال النقّاد المدائح لهذه النهاية المنطقية، بدلاً من تلك النهاية «الخرقاء» للمسرحيّة الأصليّة، التي يقف فيها إيسوب ليؤكد بدونكيشوتيّة بلهاء أنه حرّ، وأن العقاب الذي يستحقه إذا ما أُدين بالسرقة (رغم براءته من التهمة) هو الموت. صفّق جمهور النمل طويلاً، وأسدلت الستارة.