صبغيّ واحد يحمل الرقم 21 جعل حياة الطفل بحر حميشة مختلفة عن أقرانه. فالصبغي المعاند للانقسام الطبيعي، أصابه جنينياً بما بات يُعرف بـ«متلازمة داون». هذه الحالة لم تمنع بحر من محاولة تحقيق أحلامه في أن يصبح رساماً «طبيعياً»، ينجز لوحاته ويقدمها للجمهور على طبق من خيط نول قديم!أخيراً، خطا بحر (13 عاماً) خطوة على طريق تحويل حلمه إلى واقع، فعرض على جمهور صالة «هيشون» في اللاذقية تسع لوحات تشكيلية، مشغولة بالخيط الملون، كانت جزءاً من لوحات المعرض البالغة 21 لوحة، أنجزها الفتى بالتعاون مع والده، الفنان التشكيلي والشاعر علي حميشة.
تم تنفيذ اللوحات باستخدام نول قديم، مما يستخدم عادة في إنتاح السجاد والبسط اليدوية، وهو نادر هذه اﻷيام، في فكرة تحمل نوعاً من التحدي والجدّة، خاصة أن النول من اﻷدوات التي تستغرق وقتاً وجهداً كبيراً ﻹنتاج أي عمل. يقول علي حميشة لـ«الأخبار» إن الفكرة جديدة من جانبين: اﻷول، مشاركة بحر معي، والثاني استخدام النول في تقديم لوحات تشكيلية مختلفة الموضوع. عملي تجريدي بحت، أما عمل بحر، فيعتمد على الموضوع الطفولي وفق ما تراه بصيرته ورؤيته للعالم». يشرح حميشة أن الفكرة بدأت تراوده منذ نصف عام تقريباً، يقول «خطر ببالي نقل ما يرسمه بحر إلى عالم النول اليدوي وإقامة معرض له، كانت هذه الطريقة مفتاحاً جديداً لتقديم الدعم له». ويضيف «ما قام به بحر، أنه أزاح تصوراتي المعتادة عن الرسم نفسه، فهو ينفذ خطوطاً فطرية مميزة، ولديه ألوانه المستخدمة بفطرية ووضوح فني، قياساً إلى عمره وتجربته».
بحر، الذي وزع ابتساماته العذبة على جميع الحاضرين، اعترف بأنه «خرّب» على والده أعمالاً عديدة، حتى وصل إلى نتيجة يُرضى عنها. لا ينفك الفتى باحثاً عن والده، ليحتضنه كل بضع دقائق، فيما راحت الوالدة، مروى حكيم، تتابع بشغف تنقلات ابنها. وتقول «حالة بحر درجة خفيفة من متلازمة داون. هو تقريباً مندمج بشكل كامل بالمجتمع. لديه رغبة كبيرة في الرسم ظهرت مبكراً، ويذهب إلى المدرسة». (في الصف الرابع، وهو الصف الموازي لعمر العاشرة في سوريا).
تحولت لوحات الشاب الصغير إلى هدف لزوار المعرض المستمر لمدة أسبوع (حتى 10 آب). ويعتزم اﻷب إقامة معارض أخرى لابنه، متعهّداً متابعته وتعليمه لاحقاً أصول الرسم والتلوين. وهو يؤكد أنه، حتى اﻵن، لم يتدخل في السيرة الفنية لبحر. أما بحر، فكل ما يعرفه الآن أنه نجم. يهمس مبتسماً فيما يشير إلى إحدى لوحاته «انظر، هناك ملكة وعليها تاج أصفر. أريد أن أضع تاجاً على رأسي أيضاً».