رغم زحام الزبائن والمارّة أمام المقاهي المحيطة بقلعة حلب، يسهل البحث عن حسين الصعب، بائع القهوة العربية، فهو وجه مألوف للناس وأصحاب المقاهي والمطاعم. يلفت أبو عبدو الانتباه، بلباسه العربي التقليدي، ومواويله الحلبية، إضافة إلى لباقته ودماثته، ليغدو أشبه بجزء من المعالم الأساسية للمنطقة.

ذاق حسين، المنحدر من حي «باب النيرب» مرارة الحرب، قبل أن يمتهن بيع «القهوة المرّة». ترك الرجل الأربعيني وراءه مهنة خياطة الألبسة، في حي «الصالحين»، حيث توجد ورشته بجوار بيته. يقول لـ«الأخبار» بحسرة «خسرت مشغلي، وعزمت أن أعمل ساقياً للقهوة العربية، بدل أن أمدّ يدي إلى أعمال غير أخلاقية». ويضيف: «كنت أول من دخل إلى محيط القلعة بعد انتهاء المعارك في المنطقة». بمرور الأيام، اعتاد الناس مجالسة الصعب، وتشجيعه، بالقول: «صوتك حلو عمي أبو عبدو». يهوى أبو عبدو كل ما يتعلق بالماضي من لباس وعادات. «أنا وأولادي نرتدي اللباس العربي في السهرات والأعراس والمضافات. إذا خيروني بين السكن في بيت شعر (خيمة) وفيه دلة قهوة وبين فيلا، سأختار بيت الشعر»، يقول. يعطي أبو عبدو مقتنياته التراثية أهمية بالغة، خاصة أنه ورثها عن أمه. يتحدث عنها بشغف: «دفعوا لي 12 مليون ليرة مقابل قطع البلور والنحاس العتيق قبل الأزمة، لكنني رفضت بيعها. كان لديّ شبه متحف صغير، يضم دلّات قهوة نحاسية، وفناجين قديمة. للأسف معظمها سُرق». يحتفظ الصعب بعملات سورية نادرة، أخرجها من محفظته وقدمها إلينا على أنها «مصروف شخصي». من بينها 5 و10 قروش، ونصف فرنك، و«ليرة فضة لأيام الأزمة، ونصف ليرة فضة للزواج، بالإضافة إلى نصف ليرة سورية وقت الحاجة» كما يقول ممازحاً. لم يكن الصعب بعيداً عن جو القهوة العربية، التي تعلم صنعها من أبيه، يقول: «كانت رائحة القهوة تفوح في الحارة كلها». يقدّر أبو عبدو الأغاني القديمة، لأن «كلامها له معان عميقة» كما يقول. يحفظ القدود الحلبية، وأغنيات صباح فخري، ليردّدها على مسامع زبائن المقاهي والعابرين وبعض السيّاح. يقول: «كان لدى جدي (جنك) عمره أكثر من 150 عاماً، وهو مثل دفتر يحفظ المواويل المؤلفة، لكنه تعرض للسرقة كحال أغلب أثاث البيت».
يتردد الصعب إلى محيط القلعة يومياً، وبات غيابه المفاجئ سبباً يدفع بعض الناس إلى الاتصال به، وتفقّد أحواله، وقد منحته «وزارة السياحة» رخصة لمزاولة العمل. يندر أن يقام احتفال أو فعّالية في المدينة، من دون أن يكون مدعوّاً إليها. في نهاية الحديث يسقينا حسين الصعب من قهوته، قبل أن يدعوه سيّاح من مدينة الموصل العراقية إلى طاولتهم، ليغني لهم «اسمك يا شهبا».