لم تسمح دعاء البسطاطي (29 عاماً) لذراعيها اللتين خانتا الفطرة الإنسانية وقررتا التخلي عنها «شكلياً»، أن يُخلّفا عجزاً زائفاً، يعيقها عن اكتشاف العالم من حولها والبحث عن هدف يعطي حياتها قيمة أكثر لوناً ومعنًى.في وقت مبكر من عمرها، قررت دعاء التغلب على ظرفها والاستعاضة عن يديها بالقدمين لإنجاز كل المهام العادية، بل وغير العادية حتى، بعد أول صدام مباشر لها مع الحياة، عندما رفضتها صديقات الطفولة وتحاشين اللعب معها، فقط لأنها مختلفة عنهنّ.
حين كانت في عمر السادسة، دخلت دعاء مدرسة خاصة بـ«المعاقين جسدياً»، رغم رفضها لهذه التسمية. وفي مرحلة لاحقة، أصرّت أختها الكبرى على ريّ بذور الثورة التي أعلنتها الطفلة ضد نقصها، فكانت «جناحيها» كما يحلو لدعاء تسميتها. أصرّت الأخت على حثّ دعاء على تعلم الرسم، بعد أن لاحظت اهتمامها وميولها نحوه. وبعد اجتيازها المرحلة الثانوية، التحقت الشابة بمقاعد كلية الفنون الجميلة، بعد النجاح في المفاضلة العامة، لأن مفاضلة «المعاقين جسدياً» لا تسمح لمن في مثل حالتها بدخول هذه الكلية، وتخرّجت لاحقاً بدرجة عالية.
تحاول الشابة بكل إرادتها كسر حاجز الإعاقة والتغلب عليه، من خلال المشاركة في المعارض والملتقيات الفنية، وتقديم نفسها فنانةً لا يزيد الذراعان على موهبتها، ولا ينقصان منها شيئاً. تجد في اللقاءات المصوّرة فرصة لإيصال رسالة إنسانية لكل من يراها، بأنها ومن في حكم ظرفها ليسوا معاقين، بل أشخاص بملَكات مختلفة، وقد يكونون أكثر إرادة من غيرهم.
تقول دعاء لـ«الأخبار» إن «هناك الكثير من الناس الذين ينجبون أطفالاً لديهم نقص ما في أجسادهم، فيتعاملون معهم وكأنهم عيب أو شيء يبعث على الخجل، وقد يلجؤون إلى إخفائهم عن عيون المجتمع ويحبسونهم في المنازل. أنا أخرج للناس لأريهم حجم الإرادة والعزيمة التي أمتلكها» وتضيف «صحيح أنني لا أملك ذراعين، لكنني فنانة تشكيلية حصلت على العديد من التكريمات في بلدي وخارجه».
كل ما يمكن فعله بواسطة اليدين تستطيع دعاء القيام به بفضل تعليم وتدريب أختيها لها، بدءاً من الطهو وإعداد الطعام، وليس انتهاءً بالاعتناء بابن أختها الصغير. أكبر أحلام الفنّانة ذات الإرادة الجبارة، أن تنجح في جعل اسمها مقروناً بفنّها، لتصل به إلى العالمية، وأن يشير إليها الناس دوماً بالفنانة الناجحة ويسقطوا عنها عبارة «الفتاة التي من دون ذراعين».