«بينما كنتُ نائماً»

  • 0
  • ض
  • ض

فجأة، صارت أذناي طويلتين. حصل ذلك من دون أن أكون من الملوك أو المقرّبين إليهم، ومن دون أن تكون له علاقة بكافكا، وتحوّله المثير. هكذا؛ وبلا مقدّمات، صارتا طويلتين. في البداية حسبتُ الأمر خداعَ بصرٍ وأوهاماً، ثمّ عزوته إلى قوانين النمو الطبيعي، وحين زاد الأمر عن حدوده، جفِلت. صديقي المثقّف، لبّى ندائي على عجل. تأمّلني طويلاً، بينما يحتسي قهوته بتلذّذ، ثم نصحني أن أعتمر قبعةً شبيهة بقبعته، إلى أن أستشير طبيباً. «حين تصير أذنا المرء طويلتين بلا مقدمات، من دون أن يكون من الملوك أو المقربين إليهم، ومن دون أن تكون للأمر علاقة بكافكا وتحوله المثير، فلا بد من استشارة طبيب»، قال. في الطريق إلى عيادة الطبيب، تشاغلت بعدّ الحفر وبرك المياه، ولم تفارق عيناي الأرض، خجلاً من التحولات التي اعترتني. لم أنظر في وجه الممرضة، لا لأن ركبتيها الهاربتين من فستانها قد استثارتاني طبعاً، بل بسبب «ظروفي الصحيّة»، التي لم تسمح لي بالإسهاب في شرحها. «لا حاجة إلى ذكر كل هذه التفاصيل في إضبارتك. يكفي اسمك وعمرك»، قالت، وطلبت قطعتين نقديتين من أكبر الفئات المتداولة. ابتسم الطبيب بودّ لافت، ليهدّئ من روعي. «لا تجزع»، قال لي. مسح غبار نظارته السميكة، نفث كمية معتبرة من دخان غليونه في وجهي، ثم شرع بالدوران حولي بخطوات منتظمة، وقبعة أشد انتصاباً من أذني، وانسابت الكلمات: «أما إذا كنت من المؤمنين بالغد المشرق، ومن مُصدّقي خطط الحكومات وحزم إجراءاتها الموعودة، فالطبيعي أن تطول أذناك، من دون أن تكون من الملوك أو المقربين إليهم، ومن دون أن تكون للأمر علاقة بكافكا وتحوله المثير». ثم نصحني بأن أفتخر بما أنا عليه، فهذا «دليل المواطنة الصالحة كما يراها المسؤولون، وهو أبعد عن أقبية المخابرات، ويبعث على الراحة والطمأنينة، وينفي عنك كل شبهات الاندساس والعمالة»، ثم صافحني بلطفٍ حتى سمعت طقطقة عظام يدي. بدا لي كلامه مُقنعاً، فالطبيب طبيبٌ، وزجاج نظارته سميك، ودخان غليونه كثيف، وإيقاع خطواته دقيق، ولا شكّ في أنه أكثر علماً وفهماً وحكمةً مني. خرجت إلى الشارع، لم أضع القبعة على رأسي، وشيئاً فشيئاً راحت عيناي تغادران الحفر وبرك المياه، لأتأمل بفخر عشرات القبعات المتحركة من حولي، من دون أن تكون للأمر علاقة بكافكا، وتحوله المثير.

0 تعليق

التعليقات