عصام جرمقاني... اطلبوا العلم ولو في الستين!

  • 0
  • ض
  • ض
عصام جرمقاني... اطلبوا العلم ولو في الستين!

في منزل صغير بمدينة جرمانا (ريف دمشق)، يجلس عصام جرمقاني إلى جانب مدفأة حطب، ويروي لنا فصولاً من مسيرته مع علوم الجيولوجيا التي برع فيها، وصولاً إلى نيله شهادة الدكتوراه. ينحدرُ الدكتور جرمقاني من مدينة صلخد (محافظة السويداء). وُلد هناك عام 1944، لكنه عاش وقتاً طويلاً من حياته في دمشق، قبل أن يُغادرها إلى هولندا في العام 1971 موفداً من وزارة النفط، ليعود بعد عامين حاصلاً على درجة الماجستير، ومتخصصاً في مجال التنقيب عن المعادن. تُنير رغد، ابنة العم أبو طارق، الشموع مع انقطاع التيار الكهربائي، فيما يحكي والدها عن تدريسه العلوم والكيمياء في مدارس صلخد، ثم عن عمله في المؤسسة العامة للجيولوجيا، قبل أن يصل إلى إدارة المسح الجيولوجي في سوريا حتى العام 1990. تسلّم بعدها مديرية الرصد الزلزالي، وسجل عشرات الهزّات التي ضربت البلاد. يقول «حدث زلزال مدمر في المنطقة عام 1759، وشمل دمشق. هذا الزلزال يتكرر بشكل دوري كل 250 - 300 عام». ألّف الرجل وترجم كتباً نالت صيتاً ذائعاً، ولم يتوقف طموحه الأكاديمي، بل بدأ مع مطلع التسعينيات إعداد رسالة الدكتوراه، بعد أن سافر إلى روسيا، وسجّل رسالته هناك بعنوان «رسوبيات الجوراسي في سوريا». تُرجمت رسالته لاحقاً إلى الانكليزية والروسية، وصارت مرجعاً في هذا المجال. العصر الجوراسي، هو عصر الديناصورات العملاقة، وظهرت فيه حيوانات الدم الحار، والطيور والزواحف العملاقة قبل نحو 100 مليون سنة. خلّف هذا العصر الكثير من الرسوبيات التي درس جرمقاني جزءاً منها في الجغرافيا السورية، ثم ألّف كتاباً حول الموضوع باللغة الانكليزية، نشر في لندن عام 1995، وعُدّ من المراجع النادرة المكتوبة باللغة الانكليزية عن هذا العصر، واستحوذت عليه شركات النفط. لثوانٍ معدودة، يصمت الرجل الذي صار شعره بلون واحد، ثم يمسك أحد كتبه، ويقول بفخر «اطلبوا العلم ولو في الستّين. لقد أخذ منّي إعداد الدكتوراه أكثر من عشر سنوات، وحصلتُ على الدرجة في العام 2004، وقد صار عمري ستّين عاماً». أثمرت رسالة جرمقاني، وأبحاثه، اكتشاف مادة «الكاربو ناتايت» في سوريا، وهي عبارة عن كلس بركاني نادر للغاية. يقول «تستقطب هذه المادة عناصر نادرة، مثل الذهب ونيوبيوم (مادة تدخل في صناعة الطائرات والصواريخ)». يأسف جرمقاني لأن هذه الدراسة لم تأخذ نصيبها من الاهتمام، ويعتقد أن ذلك لو حصل «لزاد ميزانية الدولة من خلال بيعها، كما تفعل بعض دول أفريقيا وأميركا الجنوبية». لا يُمكن ألا يأسرك أبو طارق بحديثه عن طبقات الأرض، وتغوص معه في أعماق البحار. يمتد الحديث ثلاث ساعات، هي مدة التقنين الكهربائي. يمتزج الحديثُ العلمي بالحكايات الشخصية. لا يخفي الرجل اشتياقه إلى بناته المسافرات، ويعبّر عن أسفه على «كل ضحية ماتت في هذه الحرب». ويقول «لو سألتني أي الأضرار أشد، الحرب أم الزلازل؟ لما تردّدتُ لحظة واحدة لأخبرك بأن الحرب هي أسوأ ما يمكن أن يحدث على وجه الأرض».

0 تعليق

التعليقات