يجول أبو محمود في أسواق مدينة اللاذقية، بحثاً عن متجر مفتوحٍ يبيع الحبوب، لتأمين البرغل الذي ستعدّه زوجته طبقاً من «المجدّرة» لحفيدها الصغير كرم. يطلق أبو محمود نَفَساً طويلاً، ويقول: «أستغرب ما علاقة البرغل بقانون قيصر؟ رغم أنه غير مستورد، لماذا ارتفع سعره وأصبح بـ 1200 ليرة؟، يبدو أن المثل الشعبي المشهور، العزّ للرز والبرغل شنق حالو، لم يعد نافعاً هذه الأيام». يرى التجار أنهم «الضحية الأولى لقانون قيصر»، بينما يقول أبو محمود إن «التجار صنعوا هذا القانون... هم يحتكرون المواد لبيعها بأسعار مرتفعة بحجّته».منذ مطلع حزيران، وقبل أسابيع على دخول «قانون قيصر» حيز التنفيذ، أصبحت رفوف معظم متاجر المدينة شبه خالية من المواد الغذائية، بعدما انخفض سعر صرف الليرة إلى حدود غير مسبوقة (اليوم بات بحدود 2600 من دون استقرار). لا يهتمّ أبو محمود بتفاصيل القانون، وهو لم يقرأ عنه حرفاً واحداً، لكنه يشعر بالخوف؛ يقول لـ«الأخبار»: «الخوف من عدم قدرتنا في المستقبل على شراء تفاحة واحدة».

«جوعانين من 100 سنة»
لم يمنع «قانون قيصر» أبا سامر وأبا عزيز من زيارة الحديقة ولعب «المنقلة» (لعبة شعبية باستخدام الحصى الصغيرة والحفر الخشبية). وبرغم أن أبا عزيز بدا متحمساً للحديث عن «قانون قيصر»، قاطعه أبو سامر بابتسامة صغيرة، ممسكاً الحصى بيده، وقال: «قانون قيصر قال... العب يا عمي العب». الرجلان اللذان تجاوزا الستين من العمر وانضما إلى شريحة المتقاعدين في سوريا، جلّ ما يسعدهما هو الجلوس في الحديقة العامة ولعب «المنقلة».

أبو عزيز وأبو سامر


يعود أبو عزيز إلى الحديث، ويقول: «قانون قيصر مطبق علينا منذ 100 سنة. نحن كل عمرنا جوعانين، لن يفعل قانون قيصر شيئاً سوى أنه سيزيد من جوعنا، الآن لا أحد لديه الجرأة لدخول ولو حتى دكان صغير بعد أن أصبح سعر الموزة الواحدة 500 ليرة».

«ما رح تعلمونا السياسة»
أما أبو عصام، وهو «عضوٌ عاملٌ» في حزب «البعث» منذ عام 1966، فلا أحد يستطيع أن يعلّمه السياسة، ولن تنطلي عليه «لعبة قانون قيصر»، كما يقول لـ«الأخبار». يحرّك أبو عصام يديه شارحاً وجهة نظره: «نحن نعلم أن قانون قيصر هو شماعة لتغطية جشع التجار وأخطاء الحكومة... يريدون أن نقبل بارتفاع الأسعار وفقدانها من السوق، الحقيقة هم الذين صنعوا هذا القانون وليس أميركا». ويختم حديثه بالقول: «قانون قيصر كلو كذب بكذب».

خوفاً على الأرزّ
ليس بعيداً عن أبي محمود، تخشى أم علي انقطاع الأرز من الأسواق، فهي تعتمد عليه في عملها على تلبية التوصيات، وتطهو للعائلات الميسورة ورق العنب والمحاشي بأنواعها. تخشى أم علي غياب الأرزّ من الأسواق بعد «قانون قيصر»، إذ سينقطع حينها مصدر رزقها.

أم علي


تقول وهي تلفّ بإتقان أوراق العنب المحشوّة بالأرز واللّحم: «سمعت أن هناك قانوناً يُسمى قيصر، لا أعرف ما هو ولا من أين جاء، لكن يتحدث الناس أن هذا القانون سيمنع سوريا من استيراد الأرز، وعملي يعتمد عليه بشكل مباشر... كيف سأضمن لقمة يومي أنا وابني الصغير علي؟».

«قياصرة الداخل»
أبو فادي، صاحب محل لتصليح الأحذية في مدينة اللاذقية، رفض أن نلتقط له صورة؛ يقول: «لم أقف أمام الكاميرا منذ يوم فرحي في ثمانينات القرن الماضي»؛ لا يزال زبائنه يقصدون محلّه كما السابق، إلا أن مستوى معيشته تراجع مع ارتفاع الأسعار.

محل ابو فادي


يجيبنا عن رأيه بـ«قانون قيصر»، وهو جالسٌ أمام دكانه الصغير فوق تلفاز قديم صار كرسياً: «ما في شي مضمون... كل شيء يتغير بسرعة... رأيت السفن منذ فترة تقف أمام ميناء اللاذقية محمّلة بالمواد الغذائية، المشكلة ليست في قيصر أميركا، بل في قياصرة الداخل، التجار الذين حوّلوا قطعة الحلوى الصغيرة إلى حلم».
هموم السوريين باتت أشدّ وطأة من قانون يفرض عقوبات جديدة على سوريا، كما يقول أبو فادي. هل هناك أقسى من «عقوبة» التفكير في تأمين وجبة اليوم التالي، والأسعار تحلّق، فيما الدخل يتدهور؟