كانت تدفعني رغبة الطفل في الفرجة. عبرتُ الساحة شبه الفارغة، وبدَت الحجارة المفتّتة أشبه بفُتات على مائدة غادرها طارِقوها، وعلى المصب وقفتُ وقد انفتحَ أمامي المشهد على عالم آخر، كأنه على شاشة تلفاز....
في زمن «كورونا»، لا وقت لديك للحديث عن روعة الحياة وعمق المعنى، لن يسعفك الوقت لتفكّر في هذا الكوكب الذي ستغادره فجأة، لن تعود لتسأل من يحكمه ويتحكّم فيه، لا وقت لتطلب من الله أن يمدّ في عمرك أو تفكر...
لطالما تمنّيت من حكومتنا العتيدة أن تشتغل وفق المنهج البريختي، تكسر الجدار الرابع بيننا وبينها، وتمزّق ستار الخداع الاجتماعي، لنصبح شركاء في صناعة المشهد، ويُصبح كل منَّا بطلاً بدوره. لكنها على ما...
حين انطلق الباص قبل شهور عديدة من مطار هانيدا الدولي، إلى وسط العاصمة اليابانيّة طوكيو، كان الظلام قد خيّم على المدينة. في منتصف الطريق، راسلني صديق عبر تطبيق «واتس آب»، يسأل ممازحاً: «شو، كيف شفتلي...
ضربت بعضَ الدول الأوروبية قبل أيام عاصفةٌ وُصفت بالخطيرة. حذّرت تلك الدول جميع المواطنين من خطورة التنقل، ودعت إلى ضرورة اتخاذ إجراءات السلامة، وخصّصت أرقاماً للطوارئ، ورفعت درجة التأهب. أوقفت حركة...
فيما ينشطُ سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي، متفاعلين مع الأحداث اليومية، ولا سيما الاقتصادية منها، يلتزمُ سوريون آخرون (كُثُر) الصمت، من دون التعليق على هذه الأحداث، أو المشاركة في هذا «العرس...
يذهب المواطن في بلاد «نهفات ستان» بعيداً في الحلم، حين يتخيّل أن مسؤولاً ما، سيقفز إلى الشاشة الوطنية - أو حتى إلى «تويتر» أو «فايسبوك»، باعتباره البعبع الذي تخاف منه حكومة نهفات ستان نظرياً ـ ويخبر...
منذ عام 2006 تعرّفت إلى معنى «الغروتيسك» في المسرح، بعد حضوري عرض «الحدث السعيد» لمخرجه سامر عمران، الذي أخبرني أن طبيعة هذا النوع المسرحي تتضمن ثلاثة أركان: اللامعقولية، الألم والطرافة، ممزوجاً...
فجأة، صارت أذناي طويلتين. حصل ذلك من دون أن أكون من الملوك أو المقرّبين إليهم، ومن دون أن تكون له علاقة بكافكا، وتحوّله المثير. هكذا؛ وبلا مقدّمات، صارتا طويلتين. في البداية حسبتُ الأمر خداعَ بصرٍ...
هنا دمشق؛ «شارع اللاهين والعابثين»، ليس عليكم الإصغاء إلى قرع الكؤوس فقط، عليكم أولاً التجوال في كل الأمكنة، بين رسّامين يلاعبون اللون، وموسيقيين يقطّعون أوتار آلاتهم قبل محاولة سابقة بقطع أوتار...
«لك حاج تزمر، ما شايفني عبّطالع العاجز»؟ صرخ سائق سيارة الأجرة، ردّاً على احتجاج سائق غاضب، بينما كنت أجهد لجرّ ساقي إلى المقعد الخلفي من السيارة، بعد أن وضعتُ عكّازيّ في المقعد الأمامي. حصل ذلك قبل...
لأنّ كل ما يحيط بنا يتّسم بالقسوة، نتردد بدايةً في مغامرة حضور عرض مسرحي يحمل عنوان «درس قاسي» على مسرح القباني في دمشق. لا سيما أننا متخمون بالوجع، وأعصابنا لم تعد تحتمل آلاماً إضافية. كما أن...
لمّا بدأت أحداث سوريا لم أُفاجَأ، لأننا كنا شهوداً لِربع قرنٍ على وطن يتردّى، وكنت أتساءل (حين أرى هيجان جمهور رياضي) ماذا سنفعل غداً حين ينكَشِط سطح المستنقع الساكن عن الرائحة النتنة في العمق؟ فيما...
زرت دمشق للمرة الأولى عام 1983. كنت طفلاً لا يتجاوز الخامسة من عمره، فلم يعلق من صور المدينة في ذاكرتي الطفولية سوى اثنتين: الأراجيح وألعاب الأطفال في حديقة ألعاب الأطفال المطلّة على «نهر عيشة»، وقصص...
«إنّهم يموتون على طريق حلب». أقول هذا لنفسي دائماً، لا سيّما حين يقودني القلب نحوها، وكثيراً ما يفعل. منذ فترة، لم أعد حريصاً على سؤال السائق عن الطريق الذي سنسلكه نحوها، فقد سلّمت بأن «ابن الخط»...
يعدّ أول شهور الخريف ضيفاً ثقيل الظلّ على العائلات السورية بانتظار الموسم الشتوي الجديد. وفيما ينشغل الشارع بالبحث عن وسائل ناجعة لتحصيل «مؤونة» الفصل البارد، وتسديد «قروض القرطاسية»، تتربع على عرش...
عايش محيي الدين الكثير من قصص العشق التي ولدت في دير الزور في حقبة التسعينيات، وصولاً إلى مطلع الألفية الثالثة. الرجل الذي عمل مستخدماً في مركز اتصالات المدينة، كان يتولى مهمة تأمين «الفراطة» للعشاق....
وقفُ إرهاب الوسادة غير ممكن، فهي تمثل محكمة تفتيش دائمة تؤرق ليلي، مثلي مثل فتيات سوريات كثيرات وحيدات قويات غير مدينات لأحد سوى باعتراف لها، مملكة الوسائد المُرْهِقة والمُرهَقَة برؤوس تغفو وتُسطِّر...
حين سألني يزن، قبل شهور طويلة: «أسبق أن حضرت حفلة لصباح فخري؟»، قلت ببساطة: «نعم، حفلات كثيرة. له، ولصبري مدلّل، وحسن حفّار، وأبو حسن حريتاني». ثم زدت: «وجالست الأستاذ صباح، والشيخ صبري. ربطتني...
للمرة الثامنة، وربما التاسعة أو العاشرة، تشغل والدتي مسلسل «عيلة خمس نجوم» على هاتفها المحمول. تشاهده بشغف المرة الأولى، وتترقب مجرياته وأحداثه التي حفظناها في العائلة عن ظهر قلب، لكثرة ما أعادته....
أصادف يومياً، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عشرات الأسئلة عن أطباء التجميل وأسعار «خدماتهم» المتنوعة. أكثر ما يستوقفني في تلك المنشورات، هو حجم الانقسام الطبقي الذي بات شديد الوضوح. فرغم أن تكاليف تلك...
ابتهجت النملة لأن الحريق لم يأكل كلّ قمحها. رفعت رأسها إلى السماء، وشكرتها لأنّها ما زالت قادرة على بيع ما بقي للسيد جندب. في الأثناء، كان الجندب قد أحكم ربطة عنقه، وضع ساقاً فوق ساق، ونفث كمية...
في الأسابيع الأخيرة استعدتُ صداقةً قديمة. صداقة قد يصحّ القول إنّها «سريّة»، فطرفها الآخر حفنة أغنيات ظلّ تداولها (لأسباب غامضة، لكنها مفهومة) محدوداً، وبطريقة تُذكّر بتداول المنشورات السريّة....
يخرج مُطيع أبو راضي من منزله مبتسماً. يقطع الزقاقات الضيقة، إلى الشارع العام. يتعكر مزاجه لدى مشاهدة مئات السيارات وقد انتظمت في طابور طويل، أمام إحدى الكازيّات. «لماذا يصرّ هؤلاء السفلة على الإيحاء...
تورّطت ذاكرة السوريين قبل «الأزمة» بمشهد دموي متكرر، وربما كان وحيداً، هو مشهد العنف الموجه إلى «الذبيحة الحيوانية». خراف تذبح في الأعياد والمناسبات، وسط طقوس واحتفالات. بعد «الأزمة» تورّطت ذاكرة...
دعاني موظف المؤسسة الاجتماعية إلى مكتبه المجاور لمكان سكني. بعد التحية والأسئلة الروتينية عن الحال، ورأيي بالطقس الشتوي الأوروبي البارد، باغتني بما لم يكن في الحسبان: «ماذا تريد أن تصبح في المستقبل؟»...
استبقْتُ العاصفة الثلجية التي اجتاحت كل المدن السورية، بما فيها دمشق، قبل أسبوعين، واقترحت على والدي تعبئة الدفعة الثانية من مخصصاتنا من «المازوت المدعوم» من باب الحيطة، لكن مكتب الخدمة أجاب بأن «أمر...
رفعت في ما مضى من حياتي شعار «لا لمحاسبة فقير لمصلحة فقير آخر». لذلك لا أتجادل مع العمال المتخاذلين أو الموظفين المرتشين أو السائقين الطامعين، فهم يسرقون ليرات بسيطة لأن الفاسدين الكبار بسرقتهم...
العبور مجاني على جسر الرئيس، الذي تم افتتاحه في عام 1992. يصل الجسر بين منطقة البرامكة التي احتضنت قبور آل برمك، أصحاب السيرة الشهيرة في تاريخ الدولة العباسية، وحي أبو رمانة، حي الرؤساء المتحوّل إلى...
قبل أيام، نُشر العدد 2759 من صحيفة «كفاح العمّال الاشتراكي»، التي تصدر أسبوعياً عن «الاتحاد العام لنقابات العمال» منذ أيار 1963. «محاولات لتبرير معاناة المواطنين وتحويل الصعوبات المعيشية إلى فانتازيا...
يدخل الرجل إلى المقهى بعد انقطاع طويل بسبب المرض. كان قد مُنع عن التدخين ومخالطة المدخّنين. وكرمى لعينيه، واحتراماً له، يتوقف الجميع عن التدخين طوال فترة وجوده. هذه ليست لقطة من فيلم أوروبي، ولا...
هو يوم في دمشق يعادل عمراً، هو رحلة نحو معرفة ذاتك، وكل الرحلات نقطة انطلاقها «رحم».إن دخلت دمشق عاشقاً للدهشة فكل الأبواب مشرعة، وإن دخلتها مقتحماً الحلم روّضتك كما روّضت كل المجانين الحالمين الذين...
عندما كنا صغاراً، كنا نسمع أن «السرفيس» هو اختراع سوري. عندما كبرنا، اكتشفنا أن كذبة السرفيس واحدة من كذبات كثيرة صدّقناها كما صدّقنا أمهاتنا عندما أخبرننا بأن عملية الولادة تتم من الخاصرة. عرفنا...
في الطريق إلى المنزل مساءً، يزدحم رأسي بالأسئلة. بعضها سهل الإجابة وبعضها صعبٌ إلى درجة أنك لا تجرؤ على طرحه حتى. لا أعرف لمَ لا تلتقط عينايَ سوى التفاصيل «الخطأ»، حفريات الصرف الصحي التي انتهت...
في نهاية شارع الحجر المُفضي إلى ساحة باب توما وبداية شارع الأمين في قلب مدينة دمشق القديمة، تقع حديقة صغيرة اسمها «القشلة»، وهي حديقة كانت مهملة أعادت محافظة دمشق ترميمها، وبعدها، بدأ زمنها وكان...
في الظاهر، تبدو بنات الليل بحالة جيدة وهنّ يشربن «البيرة» بعد ليلة طويلة مليئة بالزبائن مع عودة الأندية الليلية إلى نشاطها بعد توقف قسري فرضته الحرب التي انتشرت على حوافّ مدينة جرمانا وأطرافها. أما...
حين وقعت عيناي على «الكرتونة البيضاء» أصابني ارتباكٌ كبير. كنتُ قد تلقّيتُ مكالمةً من سائق ميكروباص ينقل الركّاب بين مدينتين سوريّتين، يطلب مني ملاقاته في «الكراج» كي أتسلم أغراضاً شخصيّةً أرسلها أحد...
«ما في داعي للحزام أستاذ، ما عرفت إنهم لغوا قانون الطوارئ؟». ما زالت هذه الجملة ترنّ في بالي منذ أن قالها لي سائق سيارة أجرة في صباحٍ دمشقي نيساني عام 2011. وقتها ظننت الجملة مجرّد دعابة، لكنّني لم...
نشأنا على صوت أحمد، ابن جيراننا، وهو يتلقّى صفعات والده مترافقةً مع شتائم شتّى. كل تفاصيل الحياة اليومية لذلك الطفل كانت تصلحُ سبباً لضربه: اللعب، الوقوف على الشرفة، مشاهدة التلفاز... إلخ. كانت جملة...
يسود سوريا انطباع أن من ليس لديه مال يذهب إلى التعليم الفني والمهني، فما زال التعليم الفني والمهني يحظى بسمعة سيئة تُرافق صاحبها الذي يُوصف بأنه «فاشل دراسياً». البيئة والمجتمع بدورهما يتكفّلان بمنحه...
يخلو فم غسان، وهو صاحب محل أنتيكا في سوق القباقيب في دمشق القديمة، من سنّيه الأماميتين الكبيرتين، مع ذلك، هو لا يخجل ولا يمدّ يده ليغطي الفراغ الذي خلّفه فقدان سنّيه، فالفراغ الذي طرأ على فمه أخرج...
«إش بياخدك ع الرقّة، قَفرة نَفرة! كنّي جنيت إنت؟»، هكذا خاطبني أحد الأصدقاء الحلبيين قبل قرابة عشرين عاماً حين علم أنني ذاهبٌ إلى الرقّة للمشاركة في مهرجان أدبي شبابي تقيمه منظمة «شبيبة الثورة». في...
القصة تسير على النحو الآتي: في ليلة سقوط عاصمة ما، ولتكن بغداد مثلاً، ولد ألف من الأطفال، من مختلف أحياء المدينة، وتزامن الاحتفال بولادتهم لدى أهاليهم مع الاحتفال العام بسقوط الطاغية. وجرياً على عادة...