لا تسل عن واقع الرياضة في مخيم برج البراجنة. ثمة واقع معيشي مرير يفرض نفسه على الرياضة أيضاً، فتغيب معه الملاعب وسط الاكتظاظ السكاني، بحيث تبقى شوارع الأزقة هي الملاذ الوحيد أمام أطفال المخيم لممارسة هوايتهم، حاملين أحلاماً بأن يصبحوا يوماً ما نجوماً
حسن زين الدين
يهرول أحمد السيد بالكرة، في أحد أزقة مخيم برج البراجنة، غير آبه بالمارة من أمامه. هنا بائع الخضار يقف منتظراً زبائنه، وصهريج ماء يدلف حبات من الماء في انتظار أن يعبّئ الخزانات الجافة كما الأرض التي يهرول عليها الفتى الصغير، حافي القدمين. هنا، لا مكان للعشب الأخضر الذي نألفه في ملاعبنا. هنا الأرض جافة، ممتلئة بفائض من الحرمان واللهيب الحارق الذي يلسع قدمي أحمد. لكن الفتى يبدو غير آبه بكل تلك الظروف، وها هو يكمل مشواره نحو المرمى، أو بالأحرى نحو الحجرين اللذين نُصبا عند قارعة الطريق بديلاً للمرمى. ها هو الفتى يسجل هدفاً في مرمى صبري آغا. يفرح لهدفه. يركض محتفلاً بين «أهل الحي»، فالكل هنا متفرجون، إذ لا فرق بين هذا وذاك. فالفقر يجمعهم، وهذه البقعة الملتصقة الجدران تجمعهم.
هنا، في مخيم برج البراجنة، أردنا أن نبحث عن تلك الكرة التي أذهلت عقولنا، اعتقدنا لوهلة قبل دخولنا الى المخيم أن ثمة ملاعب، على الأقل رملية، تسمح لأطفاله باللهو على تربتها، هم الذين يعرفون جيداً معنى أن تنتمي الى تربة. لكن حتى هذه التربة هم محرومون منها لممارسة هوايتهم، لتنفس قليل من الهواء في ظل هذا الاكتظاظ اللامعقول. كل ما يملكون هو كرة وحجران ينصبان بهما ملاعبهم الخاصة بين جدران المخيم. يتنقلون بين أزقته، حاملين أحلامهم بأن يصبحوا يوماً ما نجوماً «وتكتب عنا الجرايد» كما يقول أحمد.
أحمد ينتمي الى فريق «الأقصى» وهو يعشق كرة القدم. تمثل هذه الجلدة المنفوخة حلماً بالنسبة الى هذا الفتى المعدم الحال. أحمد يشجع ألمانيا ويعشق ميروسلاف كلوزه، حاله كحال صبري وعمر ياسين لاعبَي فريق «شبيبة العودة».
تنتهي «التقسيمة» بين الأطفال على عجل هذه المرة، وقبل أن تميل الشمس الى المغيب «لأنو في مقابلة صحافية بالنادي» يقول أحد المعنيين.
نحن الآن إذاً بين الأطفال والمعنيين في ضيافة نادي شبيبة العودة في مخيم برج البراجنة. بالطبع قد لا يفاجأ المرء، في ظل هذا المشهد المأسوي، أن النادي هو عبارة عن كاراج صغير خالٍ من كل شيء، «فلا إمكانات» يقول أحدهم، لكن، ثمة روح من الألفة والدفء تشعر بهما في هذا المكان، كيف ولماذا؟ لا جواب، ربما هو شعور بأنك بين فقراء رسمت كرة القدم في مخيّلتك صورة أن فقرهم يولد لاعبين عظماء.
«المخيم عبارة عن واقع مرير بالنسبة الى الشعب الفلسطيني، وهذا ما ينطبق على الرياضة» يقول خالد الدبسي، وهو عضو شعبة جنوبية ومسؤول الرياضة في المخيم، مردفاً «لا ملاعب ولا أماكن واسعة ليمارس فيها أطفالنا هوايتهم المفضلة»، مشيراً الى وجود الكثير من المواهب، لكن «المواهب بدها ملعب لتبرز» يكمل الرجل الثلاثيني.
وكيف تلعبون الكرة إذاً؟ يأتي الجواب سريعاً «وين ما منلاقي طريق فاضية منحط حجرين وبيلعبوا الاولاد» يقول خالد.
حال الرياضة في المخيم يتحدث عنها حسني أبو طاقة، أمين سر فصائل منظمة التحرير في المخيم من منظار آخر، معتبراً أن الرياضة في المخيم «هي حاجة ملحة لنا بحيث تبعد الأطفال عن الآفات المحدقة بهم». ويشير أبو طاقة إلى أنه قبل حوالى عشر سنوات كانت الرياضة في المخيم أفضل حالاً مع وجود ملاعب عند أطراف المخيم من الجهة الشمالية ومن جهة طريق المطار، إلا أن الاكتظاظ السكاني ابتلعها، لافتاً الى أن الدورات التي كانت تنظّم كان يتابعها موفدون من الأندية اللبنانية، حيث كانوا يختارون اللاعبين الموهوبين لضمهم الى صفوفهم، لكن الحال تغيّرت الآن. وكيف تنظم الدورات إذاً؟ «من خلال دعم الخيّرين والدعم الذاتي من اللاعبين أنفسهم، نستأجر ملاعب خارج المخيم، وخصوصاً ملعب نادي شباب الساحل في حارة حريك وملاعب «الميني فوتبول» المحيطة» يقول أبو طاقة، مردفاً «لكن هذا يزيد من الأعباء المادية علينا من خلال تكاليف النقل».
من جانبه، يثني جواد أبو عزيزة، رئيس نادي شبيبة العودة، على كلام أبو طاقة، مضيفاً إن الإمكانات المادية القليلة هي التي تحول دون تطور الرياضة في المخيم، مشيراً «الى أننا في بعض الأوقات نعتمد على البدل المادي من اللاعبين أنفسهم، ومن لا يقدر على ذلك فإنه يفضل عدم الذهاب الى الملاعب خارج المخيم وتوفير المال لمصروفه الشخصي»، أما أمين سر النادي شادي الفار، فيطالب جميع المعنيين بالالتفات الى واقع المخيم ودعم الرياضة فيه من خلال تأمين المواد الأولية من كرات وملابس، إضافة الى الملاعب، كما أنه يوجه النداء الى الإعلام لتغطية النشاطات الرياضية.
تغادر المخيم على أمل أن تلتقي هؤلاء الشبان في غد مشرق... يكون فيه مخيّمهم بأحسن حال!


الرياضة في المخيم تقرّب القلوب

يشير حسني أبو طاقة الى أن الرياضة في المخيّم هي عامل مساعد في تقريب المسافة بين الأفرقاء في الفصائل الفلسطينية الأخرى. وعلى عكس ما يظن البعض، فإن المباريات الحساسة بين الفرق تكون مضبوطة على نحو تام من المسؤولين في الفصائل وتنتهي حبيّاً، لافتاً الى عدم وجود بطولة في المخيم، بل ثمة دورات تنظّم بين الحين والآخر.