نحن في عصر الإعلام أيضاً... بعد عصر التكنولوجيا والأيديولوجيا، صار الإعلام ملازماً لحركة الحياة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وحتى في الحروب الكبيرة والصغيرة. صار الإعلام سلاحاً أقوى في السلم والحرب... فكيف بإعلام الرياضة عندنا؟
علي صفا
باتت حياة الإعلام في علاقة جدلية بين أنظمة الحكم والحرية المطلوبة، منذ قيام وسائل الإعلام تدريجاً، عبر صناعة الورق والحبر (لدى الصينيين) وظهور المطابع والصحف في أوروبا (غوتنبرغ)، ثم الإذاعة (1920)، فالسينما (1898) ثم التلفزة (1928) وصولاً الى ثورة الإنترنت وشبكتها الكونية.
وتحرك الإعلام من سلطات الأنظمة الفاشية والملوكية الى التحرر تدريجاً في أوروبا الى تكريسه في وثيقة حقوق الإنسان، ليتحول الصراع نحو السيطرة على سلاح الإعلام في دوائر الحكم وميادين الحروب والاقتصاد ومجالات الاحتراف والتسويق... ليصبح هو السلطة الرابعة إن لم يكن أعلى.

لبنان... والرياضة

عُرف لبنان بدورٍ رائد عربياً، وتحرك بحرّية تسرح وتمرح وتجرح ضمن دوائر مرتبطة ومربوطة متناقضة غالباً وفي حروب مفتوحة بين «شعوبه» والخارج منذ ترسيم هذا البلد الجميل بأقلام الانتداب، وما زال يبحث في معنى الوطن.
وفي الرياضة، ظهرت بوادر الإعلام مع بداية نشوء النوادي والجمعيات (منذ فترات الانتداب) عبر منشورات خاصة (مجلة الكلية ـــــ الجامعة الأميركية)، وترجمات أجنبية، وبعدها مع صحف محلية رائدة منها «الحياة الرياضية» (صاحبها ناصيف مجدلاني) فالشعلة الرياضية «لصاحبها جميل شلالا)، ومع ظهور الصحف الدورية فرزت زوايا رياضية خاصة كان من روّادها: إيلي خليفة، خليل نحاس، جورج هاني، فؤاد حبيب، غازي ميقاتي فريد خوري، إبراهيم ادلبي، بهيج حمدان، إيلي زاخر، إيلي نصر، وفيق العجوز، عبد المجيد جابر، إيلي عبد النور، جوزف حردان... قبل أن يطل الجيل الثاني فيكمل مرحلة ذهبية حتى منتصف السبعينيات حيث كسرتها الحرب الأهلية (1975) والاعتداءات الإسرائيلية المتتالية لتمزق البلد ورياضاته وتقسّمه إلى شرقية وغربية (إسلام ومسيحية)، ما فرز قوى البلد ووسائل إعلامه أيضاً، فتوزعت الاتحادات الرياضية، وربطت كوادرها الإدارية في ملاجئ الطائفية ـــــ السياسية، فتهاوت الألعاب تدريجاً.
ومع عودة البلد في مطلع التسعينيات، ازدادت وسائل الإعلام الرياضية المتنوعة، فتعددت البرامج وتضاعف عدد عامليها ليواكب حركة الرياضات الوطنية التي تكرست أكثر في دوائر طائفية ـــــ حزبية.

انتخابات... طائفية

تفرقت الاتحادات «أيدي سبأ»، ووقعت في شباك السياسة ـــــ الطائفية، وخطفت معها كثيراً من وسائل الإعلام التابعة لهذا وذاك، وتحولت معظم الأقلام والأصوات الى أبواق تابعة مربوطة، تبتعد نسبياً عن مصالح الرياضة الوطنية العليا.
وعموماً، فقد فقدت كلمة الانتخابات معناها الحقيقي وتحولت الى قرارات منزّلة للنافذين دون برامج أو مجرد رؤى للتطوير.
وفي هذا الإطار المريض ينتج غالباً صراع تأليف اللجنة الأولمبية اللبنانية، ويأتي وزراء الشباب والرياضة ليخوضوا في هذه الوحول المتراكمة دون تحقيق آمالهم في الإصلاح العام.

تأثير الإعلام

في هذا الواقع، كم هو تأثير الإعلام عندنا في قضايا الرياضة الكبرى؟ أمام تسلط السياسة على مفاصل الرياضة، والتحرر من قيودها للوصول الى بناء نواد وإدارات متخصصة.
وفي استغلال البعض لنواد رياضية لبناء شعبية تباع لسياسيين وزعماء ولو فارغين؟
وفي كشف فضائح مالية وتنظيمية في دورات كبرى عربية أو دولية يستضيفها لبنان (الفرنكوفونية والمدرسية العربية وغيرهما)؟
وأمام تدهور نواد عريقة وإفلاسها، وخصوصاً في لعبتي السلة والقدم؟ (التضامن أخيراً والحكمة قبلاً، واحتجاز النجمة أكبر ناد شعبي وتركه ينزف دون إمداده بما يلزم أو تحريره)؟
وفي ضبط شلل الزعرنة، وخصوصاً في ملاعب القدم والسلة، بدلاً من تركها تصدح وتمرح وتشوّه الملاعب، دون قرار حاسم.
وما هو دور الإعلام وتأثيره في تحرير رياضاتنا وتوجيهها نحو «رياضة وطنية عامة» تقوم على برامج مفروضة على قيادة كل لعبة ومراقبتها، بدلاً من صراع المحاصصة لتركيب أشخاص محسوبين ولو فارغين؟
هذا بعض من نماذج وقضايا تضرب جذور رياضاتنا التي تُحتضر في ظل أسر الإعلام الرياضي وربطه ليتحول سلاحاً في أيدي كتبة مكتومين أو «مرتزقة» كأبواق للمراجع، بعيداً من رسالته السامية عبر متخصّصين ومتحررين، يجمعهم «اتحاد إعلامي وطني» يحفظ حقوقهم حاضراً ومستقبلاً.
وبناءً عليه، فالرياضة الوطنية لا يمكن تطويرها بعيداً من إعلام متطور، حتى لا تتحوّل السلطة الرابعة الى «سلَطة» بعدما تحول البلد الى صحن «فتوش» و «مفتقة» نسابق بهما العالم الى «غينيس».


رياضة مربوطة

في استطلاعات خاصة، تبين أنّ: إدارات النوادي: 65% مربوطة، حزبية ــ طائفية، 20% تابعة لجهات ممولة مختلطة، 15% مستقلون.
وفي تأليف الاتحادات: 75% عبر مراجع سياسية ــ طائفية (توافقية)، 15% تزكية، 10% انتخابات حرة.
والجمعيات العمومية: 70% تركيبات وأسماء شكلية، 20% منتظمة، والباقي وهمي.
والعاملون في الإعلام: 70% موظفون بالواسطة، 20% تخصص أو تمرّس، والباقي مجرد كتبة.