Strong>شربل كريم«أملك لاعبين موهوبين، لكن بصراحة أجهل كيف سيتفاعلون مع بطولةٍ بحجم كأس العالم». تصريح لافت جاء على لسان مدرب منتخب ألمانيا يواكيم لوف عشية مونديال 2010، وفيه دلالة كبيرة على الفكر العلمي الذي يتمتع به هذا الرجل.
من دون شك، لمس غالبية مشجّعي ألمانيا شيئاً سلبياً في تصريح لوف، أو ربما عدّوه مبرراً من المدرب يدعو إلى عدم توقّع أشياء كثيرة من «المانشافت». لكن من تابع مسيرة لوف مع ألمانيا، يدرك تماماً أن العكس هو الصحيح. فهذا المدرب أطلق عبارته ليؤكد أن الألمان يملكون خامات بإمكانها النسج على منوال كل المنتخبات السابقة التي رفعت الكرة الألمانية إلى مصاف الكبار، وآخرها منتخب 2006 الذي قيل إن احتلاله المركز الثالث يعود الفضل فيه إلى لوف لا إلى المدرب الأصيل يورغن كلينسمان.
وبعيداً عن النتيجة الكاسحة التي سطّرها الألمان في مواجهة الأوستراليين (4 - 0)، وذهاب البعض إلى القول إن ضعف أوستراليا جعل الألمان يظهرون أقوياء، يفترض التوقف عند الأسلوب الذي نفّذه رجال لوف على أرض الملعب للتأكد من أن المنتخب الألماني قد يخلق مشاكل كبيرة لأي منتخبٍ كبير.
من هنا، نقول إن مباراة أوستراليا لا تعدّ معياراً لقياس قدرات الألمان، لكن في الوقت نفسه يجب ألا نسقط أن هؤلاء قدّموا شيئاً افتقدته كل المنتخبات التي ظهرت على مسرح جنوب أفريقيا حتى الآن، وهو المتعة والفعالية في آنٍ معاً.
مع مولر «الجديد» عادت إلى الأذهان صورة «مانشافت» عام 1974
وهنا يكمن ذكاء لوف، إذ إنه أدرك أن منتخبه لا يملك سحرة يمكنه إطلاقهم عشوائياً في الملعب ليصنعوا العجائب، فأعاد السير على درب التقليد القديم الذي اشتهرت به المدرسة الألمانية، وهو الانضباط المجبول بالروح القتالية المستمدة من اللياقة البدنية العالية.
4 - 2 - 3 -1، هي الخطة التي صنعت السحر الألماني في تلك الأمسية، وذلك بفضل كرة شاملة أعادت إلى الأذهان صورة منتخب عام 1974 الذي أحرز اللقب الثاني للألمان على حساب أساتذة الـ«توتال فوتبول» أي الهولنديين. وتكمن المفارقة هنا في ان أوستراليا سقطت امامهم بثلاثية نظيفة عامذاك، وأحد الأهداف سجلها «المدفعجي» غيرد مولر، الذي تابع «المستنسخ» عنه توماس مولر دكّ المرمى الاوسترالي وهو يرتدي قميصاً حمل الرقم 13 أيضاً!
ببساطة يمكن تلخيص سرّ النجاح الالماني في تلك المباراة بخمس نقاط:
1 - ايجاد اللاعبين بعضهم بعضاً بسهولة تامة
2 - التزامهم التام بمراكزهم وسط انتشار دقيق في أرجاء الملعب
3 - تحرّكاتهم الدؤوبة من دون كرة (على طريقة لاعبي الفوتسال)
4 - وقوف لاعبين أو أكثر على مسافة قريبة من حامل الكرة، ما سهّل مهمة التمرير والاحتفاظ اكثر بالكرة
5 - تأليفهم خط دفاع أوّلياً في وسط الميدان بقيادة المميّز سامي خضيرة، تكسّرت عنده الهجمات الأوسترالية.
ويضاف الى هذه الأمور منح لوف حرية التحرّك للفنان مسعود أوزيل الذي أظهر بوادر ولادة نجمٍ كبير، في الوقت الذي قام فيه مولر بمجهودٍ رهيب قسّمه بين الهجوم والدفاع.
لكن الوضع لم يكن مثالياً كما يعتقد البعض، لأن الناحية اليسرى بدت مكشوفة في بعض الاحيان، وذلك وسط تلكؤ لوكاس بودولسكي في مساندة اليافع هولغر بادشتوبر، وهذا ما قد يسبّب وجع الرأس للجهاز الفني في مواجهة صربيا التي تملك أجنحة سريعة ومنها ميلوس كراسيتش.
باختصار، «غسل الدماغ» الذي قام به لوف لمجموعته قد ذلّل كل العقبات أمام الالمان، وهذا أمر ليس ببعيد، وخصوصاً أن أبرز عناصر هذه التشكيلة جلبت الكؤوس القارية في الفئات العمرية، وهذا ما صوّب عليه المحللون الالمان كثيراً، لكن برز ما قاله أحدهم أن لوف حوّل في أسابيع قليلة صغاره إلى «ماكينة» فتّاكة ليست بحاجةٍ الى نجمٍ مطلق من طينة الارجنتيني ليونيل ميسي لتطمح الى الذهاب بعيداً في المونديال، والأهم ان كرتها الشاملة ستجعل يوهان كرويف يتمنى لو أن عناصر «المانشافت» يرتدون القمصان البرتقالية.