شربل كريّملكن على ارض الملعب هناك قصة مختلفة، وقد كان اسوأ فصولها في مواجهة المنتخب البرازيلي الذي كشف ان نظيره العاجي يحتاج الى الكثير ليرتقي الى مستوى النخبة. والتصويب يأتي هنا على مسألة حاسمة ومهمة جداً، ألا وهي ان كرة القدم هي لعبة ذهنية اكثر منها بدنية، اذ لو دخل العاجيون في منافسات «المصارعة» مع البرازيليين، فانهم سيتفوّقون بأشواط، لكن هناك على المستطيل الاخضر يأتي النجاح عبر الافرازات الذهنية لا الالتحامات البدنية وغيرها من المشاكسات غير المجدية.
من تابع اللقاء، لاحظ بالتأكيد ان مهمة استخلاص الكرات من أقدام البرازيليين كانت مسألة سهلة وروتينية بالنسبة الى «الفيلة»، لكن ما عابهم بعدها هو تظهير افضليتهم هذه الى هجمات منظّمة يصلون من خلالها الى شباك جوليو سيزار. عموماً، عاب منتخب ساحل العاج التنظيم في جميع الخطوط، إذ بدا فوضوياً كثيراً، ولا مبالغة في القول إن احتراف لاعبيه في اوروبا لم ينعكس عليهم عند اجتماعهم في قميص المنتخب، لتبقى عقلية اللاعب الافريقي كما عهدناها، ويلقى المصير عينه في نهاية المطاف.
لو دخل العاجيون في منافسات «المصارعة» مع البرازيليين فإنهم سيتفوّقون بأشواط
وبين النادي والمنتخب فارق كبير، إذ هناك ينغمس اللاعب الافريقي في النظام المتّبع، فتجد مثلاً يايا توريه لاعباً انيقاً في خط وسط برشلونة حيث تتكسر عنده هجمات الخصوم، ويموّن غالباً المهاجمين او حتى يسجّل الاهداف، في الوقت الذي بدا فيه امام البرازيل بعيداً كل البعد عن الفكر الابداعي، وجلّ همه هو إطاحة كاكا أو غيره ليسقط إلى الارض على غرار ما فعل بقية زملائه.
ومن هذه النقطة تحديداً يتجلى امامنا السبب الاساس الذي جعل البرازيل تخرج منتصرة من تلك الموقعة العنيفة، إذ ان لاعبي الوسط لديها صنعوا الفارق. فصحيح ان كاكا لم يكن في قمة مستواه، لكنه بلمستين بدّل وجه المباراة لمصلحة «السيليساو» (مرّر الهدفين الاول والثالث). أضف ان البرازيل اعتمدت اسلوباً دفاعياً لم تعهده من قبل، لكنها رغم ذلك دكّت المرمى العاجي بثلاثة اهداف بمجهودٍ محدّد، والسبب انها لعبت بذكاء اكبر من ساحل العاج، وعرفت الاستفادة من أقل عددٍ ممكن من الفرص التي سنحت لها، في الوقت الذي تلهّى فيه الايفواريون بـ«الخبيط»!
تخيّلوا ان منتخب البرازيل مثلاً يملك لاعبين يتمتعون بقوة بدنية شبيهة بتلك التي حضر بها العاجيون الى المونديال. ببساطة، سيكون «السيليساو» حينها قادراً على إذلال اي منتخبٍ يواجهه، فهذه التركيبة البدنية ـــــ الذهنية يمكنها فعل العجائب، اذ عندما يكون لديك خط وسط قادر على شلّ حركة الخصوم بشراسة، وأقدام ماهرة يمكنها هزّ الشباك بسهولة، تكون المهمة اشبه بنزهة.
باختصار، لم تنفع فكرة وضع إريكسون على رأس الجهاز الفني لساحل العاج، اذ يبدو جليّاً انه لم يتمكن حتى الآن من تغيير العقلية الافريقية المبنية على العفوية الفوضوية على ارض الملعب، والتي جعلت ديدييه دروغبا منفياً لافتقاد الفريق صانع ألعاب يستطيع ضبط الايقاع، إذ حتى جرفينيو لا يعدّ رقم 10 اصيلاً رغم انه الاقرب الى ان يكون احد رواد الوسط التقنيين.
باختصار، بعد هذه المباراة، تأكد أكثر ان انتظار أفريقيا سيطول لرؤية ممثّل لها يحتفل بالكأس الذهبية.