يستعد حزب الله وحركة أمل لخوض الانتخابات البلدية والاختيارية معاً، وذلك وفق تحالف مكتوب وقّعه كل من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والرئيس نبيه بري، ينظّم العملية الانتخابية بتفاصيلها في كل لبنان، في إطار اتفاق يكرّس واقع التحالف الحديدي القائم بين الجانبين، ولا سيما منذ 2005.كانت حادثة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط 2005، محطة مفصلية وهامة على صعيد العلاقات الثنائية بين حزب الله وحركة أمل، ذلك أن الاغتيال الذي حاول البعض إلباسه أثواباً طائفية ومذهبية وسياسية، كانت له تداعيات مباشرة على القوتين الشيعيتين الأساسيتين على الساحة اللبنانية، وتحديداً في الجنوب والبقاع وبيروت. تداعيات أصبح لزاماً معها إعادة النظر بكل الاعتبارات والحسابات التي حكمت العلاقة بين الجانبين خلال الفترة الماضية، يوم كانت الخصومة المطلقة حاضرة بينهما على كل شاردة وواردة، مهما كانت تفصيلية.
ومع أن حزب الله وحركة أمل كانا قد قطعا أشواطاً هامة على صعيد العلاقات الثنائية في ما بينهما عشية الرابع عشر من شباط، إلا أن الاستهداف الذي أصاب الطائفية «الشيعية»، كما يعتبر البعض، بعد اغتيال رئيس الحكومة «السني»، كانت له تأثيرات غير مسبوقة على الجانبين، اقتضى معها تقصير المسافات بينهما وطيّ ملفات الخلافات التفصيلية بمعظمها، وكانت عملياً الولادة الرسمية لما بات يعرف «بالثنائي الشيعي أو الـ block الشيعي» على الملعب الداخلي. ومع أن المذهبيّة نظرياً هي التي جمعت الطرفين بفعل الحاجة والضرورة، فإن الأجندة السياسية عملياً، هي التي كانت مساحة التلاقي بينهما من ذاك التاريخ حتى هذه اللحظة.
وعندما نقول الأجندة السياسية، فهي تبدأ بالعناوين الأساسية: أي الصراع العربي الإسرائيلي، والمقاومة وتحرير الأرض لبنانياً، والعلاقات اللبنانية العربية أو الإقليمية أو حتى الدولية، «من الصديق ومن العدو»، مروراً بالمواقف من السياسة الداخلية، وزارياً ونيابياً وأمنياً ونقابياً، وحتى جامعياً، وصولاً إلى التنسيق المطلق بخريطة التحالفات الداخلية، والإصرار على تقديم مصلحة التحالف المشترك بينهما، على أي أمر آخر مهما كان كبيراً أو حتى مضرّاً بالنسبة إلى كل منهما بصورة منفردة، أي ببساطة نسيان حسابات الربح والخسارة المنفردة والالتفات فقط إلى الحسابات المشتركة.
وبالفعل، كانت الحكومة الأولى للرئيس فؤاد السنيورة خير دليل على عمق هذا التحالف واستراتيجيّته، ليس فقط من خلال الأداء، بل حتى عبر المواقف المشتركة، التي كان من أبرزها انسحاب الوزراء الشيعة من الحكومة التي أصبحت بموجب هذا الانسحاب فاقدة للشرعية والميثاقية.
ولا يمكن أن ننسى هنا، ما وصفه البعض بضربة المعلم التي قام بها الرئيس بري عام 2006، يوم نظّم مؤتمر الحوار الوطني، الذي سحب سلاح المقاومة من التداول الاستهلاكي خارج جدران البرلمان وطاولته الحوارية، وأعاد تنظيم الخلافات اللبنانية ـــــ اللبنانية. وقبل ذلك كان استحقاق الانتخابات النيابية، وبين هذا وذاك، التعيينات الإدارية والأمنية والقضائية.
هكذا كان الطرفان خلية عمل دائمة، أمّنت التواصل الدائم على كل المستويات، وصولاً إلى الاجتماعات الثنائية التي كانت تعقد من وقت إلى آخر بين السيد نصر الله والرئيس بري.
اليوم، وبعد حوالى خمس سنوات من هذا التحالف الحديدي، يترجم الجانبان تفاهمهما من خلال أسلوب جديد ربما على الساحة الداخلية، وذلك انطلاقاً من استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية، الذي رفض كل من حزب الله وحركة أمل أن يكون بمثابة ورقة ابتزاز من قبل أي طرف، للمقايضة على أي ملف مهما كان هاماً أو ملحّاً. هذا ما تؤكده مصادر الجانبين، حيث «كان الإصرار على خوض هذا الاستحقاق، الذي لا يعدو عملياً كونه نزهة بالنسبة إلى الحليفين، بالنظر إلى ما خاضاه من معارك سياسية داخلية صعبة، من الانتخابات النيابية عام 2009، إلى تأليف الحكومة والبيان الوزاري».
هكذا، وقّع السيد نصر الله والرئيس بري اتفاقاً انتخابياً «نموذجياً»، بتاريخ الثالث من نيسان الجاري، وذلك بعد سلسلة لقاءات مكثفة عقدها، كما العادة المعاونان السياسيان لهما، أي الحاج حسين الخليل والنائب علي حسن خليل. اجتماعات كانت خلاصتها اتفاقاً مكتوباً يؤكد التحالف التام بين الحركة والحزب في كل المناطق التي سيخوضان فيها الانتخابات البلدية والاختيارية. أما خلاصة الاتفاق، الذي يقع في صفحة واحدة، حملت توقيع كل من السيد نصر الله والرئيس بري، فهي تقع في ثماني نقاط، من أبرزها: أن الأصل هو العمل الجادّ للوصول إلى التزكية في كل البلديات المعنيّة بالتحالف. يجب مراعاة التمثيل الطائفي والعائلي في اللوائح. الاعتماد على نتائج انتخابات عام 2004 كمرجعية للأحجام وتوزيعها داخل المجالس البلدية. تثبيت حصة كلا الطرفين بموضوع رئاسة البلديات وعدم إجراء أي تعديل فيها. ضرورة تمثيل كلا الطرفين في أي بلدية لا حضور فيها لأحدهما وذلك بنسبة 20 في المئة على الأقل. تترك الحرية للمواطنين بموضوع المخاتير، ولا يجري التدخل إلا في المناطق التي ليس فيها بلديات، بل مخاتير فقط. تشكيل لجان مناطق برئاسة مسؤولي المناطق لتطبيق هذا الاتفاق.

كان اغتيال الرئيس الحريري محطّة أساسيّة عزّزت هذا التحالف

إلى ذلك، فإن خلية العمل الانتخابية المشتركة بين الجانبين، تجهد لتأمين تطبيق هذا الاتفاق بحذافيره، من خلال اجتماعات يومية، تبحث ملف كل محافظة لهما وجود فيها. والأولوية بحسب المعنيّين لاستحقاق الثاني من أيار، أي محافظة جبل لبنان. وبحسب مصادر قيادية في حركة أمل وحزب الله تحدثت لـ«الأخبار»، فقد أنهى الطرفان في وقت متأخر من ليل الأحد، كل ما له علاقة بموضوع الانتخابات في جبل لبنان، وبصورة تفصيلية من شماله إلى جنوبه. وقد جرى الاعتماد على نتائج انتخابات 2004، فضلاً عن إدخال بعض التعديلات التي اتفق عليها الجانبان في ما يتعلق بموضوع بلديات الضاحية الجنوبية. وبحسب المعلومات نفسها، سيستكمل العمل بنفس الطريقة في كل المناطق خلال الأيام المقبلة، أي جنوباً وبقاعاً. وعند السؤال عن الآلية المعتمدة في البلديات التي يوجد فيها حضور سياسي مسيحي أو درزي، أكد المعنيّون بالملف الانتخابي البلدي في حزب الله وحركة أمل أن «الاتفاق ينفذ تفصيلياً بما يتعلق بالحصة الشيعية داخل أي مجلس بلدي، لكن يبنى على الشيء متقضاه الانتخابي، بحسب خريطة التحالفات السياسية للحركة والحزب في كل منطقة في ما يتعلق بالمقاعد الأخرى، فواقع بعض الأقضية في جبل لبنان الجنوبي يختلف عن منطقة جبيل على سبيل المثال لا الحصر».
(الأخبار)