الأعمال الخيرية والرياضة. عبارة رائجة تطفو على السطح أكثر عند وقوع كارثة يركّز عليها الإعلام كما في هايتي، لكن، في حالات معينة، تمثّل الأعمال الخيرية الرياضية إحدى الطرق لعملية تسويقية شعارها: المنفعة المتبادلة!
حسن زين الدين
لم تكد هايتي تلتقط أنفاسها بعد الزلزال الذي ضربها أخيراً، حتى انهالت عليها المساعدات الإنسانية من كل حدب وصوب. الرياضيّون بالطبع أرادوا أن يدلوا بدلوهم، وأن لا يقتصر تضامنهم على الوقوف دقيقة صمت كالعادة عند حدوث أي كارثة أو حدث أليم مؤثّر في العالم.
الاتحاد الدولي لكرة القدم كان المبادر الأول عندما أبرق إلى اتحادي الكونكاكاف وهايتي للعبة مواسياً، وأبدى رئيسه السويسري سيب بلاتر دعم «الفيفا» الكامل لشعب هايتي، وأُرسلت مساعدة سريعة بقيمة 250 ألف دولار.
من جانبه، المنتخب الألماني لكرة القدم تبرّع بمبلغ 150 ألف يورو جمعه اللاعبون في ما بينهم بحسب ما صرّح قائد «المانشافت» ميكايل بالاك.
بدورهم، نجوم كرة المضرب العالميون المشاركون حالياً في بطولة أوستراليا المفتوحة جمعوا مبلغ 200 ألف دولار خلال مباراة استعراضية دعماً للبلد المنكوب.
أما في أميركا، فقد أعلنت رابطتا كرة السلة والقدم تقديم مساعدات مالية لمساعدة الشعب الهايتي، كذلك لم يقف لاعب الغولف الشهير وأغنى رياضيي العالم تايغر وودز مكتوف الأيدي وقرر المساهمة بدوره.

أبعاد تسويقية؟

هكذا إذاً طارت على وجه السرعة مساعدات من جهات رياضية إلى هايتي. أرقام على دفاتر الشيكات قد لا تغني من جوع، لكنها قبل كل شيء تظهر أهمية الرسالة الأساسية للرياضة قبل اعتبارها مجرّد ألعاب ومنافسات. كل هذا صحيح، لكن بعض الأعمال الخيرية التي تلتصق دائماً بالرياضة لا يمكن نظرية المنفعة المتبادلة إلا أن تكون حاضرة في تفاصيلها وما بين السطور. في جانب من هذه الأعمال، ثمة حضور فاقع لعنصر التسويق الذي تعتمده الأندية، والذي يجد في الأعمال الخيرية مدماكاً صلباً وطريقاً سهلاً للوصول إلى المتلقّي. المتلقّي ليس بالطبع المتضررين من الكوارث. المتلقّي هو المحيط القريب والبعيد. المعادلة واضحة: مزيد من الأعمال الخيرية = مزيد من التقدير للنادي، وبالتالي ازدياد شريحة مؤيديه.
تبرّع ريال مدريد بإعادة بناء مدرسة في هايتي، فردّ عليه غريمه برشلونة بمبلغ 250 ألف يورو
الأمثلة على هذا النهج المتّبع تبدو كثيرة، وفي مجالات إنسانية عدة تبدأ بالكوارث الطبيعية الطارئة ولا تنتهي عند قضايا الفقر والجوع والأمراض. لكن لمَ التنقيب عنها في الماضي؟ فلنأخذ هذه الكارثة الأخيرة في هايتي مثالاً. فها هو النادي الملكي الأغنى في العالم، ريال مدريد الإسباني، يقرر طريقة دعم مختلفة لهايتي. لا أموال ومساعدات عينية على وجه السرعة، بل مساعدة على المدى الطويل: إعادة بناء مدرسة دمرت في العاصمة بورت أو برينس. مساعدة إنسانية، لكنّ رائحة التسويق تبدو عابقة فيها من مدريد وصولاً إلى بورت أو برينس. كيف لا، وشعار النادي سيظل ملصقاً على باب المدرسة على مرّ الأجيال والأزمنة؟
فصول هذا المثل لم تنته هنا، إذ إن برشلونة لم يقف بالطبع مكتوف الأيدي، وكان لا بد من خطوة سريعة يقوم بها النادي الكاتالوني تحديداً دون غيره من أندية العالم «بوجه» ما سيقدم عليه غريمه الأزلي ريال مدريد. هكذا سيصدر في اليوم التالي بيان من النادي يعلن فيه: «ينوي نادي برشلونة تقديم مبلغ 250 ألف يورو لإعادة بناء هايتي بعد الزلزال الذي حلّ بالمنطقة. النادي الكاتالوني سيقدم المبلغ لمصلحة مشاريع الصحة والتعليم التي ستقام ضمن خطة إعادة بناء هايتي، حيث سيقدّم جزء من هذا المبلغ إلى مؤسسة «أطباء بلا حدود»، وذلك خلال شهرين إلى ثلاثة أشهر المقبلة (...)»، انتهى البيان. قد يقول قائل إن برشلونة كان السبّاق إلى وضع شعار «اليونيسيف» على قميصه قبل حوالى عامين، في خطوة فريدة ذات بعد إنساني، وخصوصاً أن هذا النادي لا يعتمد شعارات إعلانية على قمصانه. هذا صحيح، لكنّ المنافسة «في السوق» تحتّم غير ذلك، هذا دون إنكار أصلاً ما لأهمية شعار اليونيسيف على قميص النادي تسويقياً، تلك الخطوة التي يمكن على الأقل وصفها بـ«ضربة معلم»!

نجوم خيّرون

لكن هل يصحّ تعميم هذه النظرية؟ بالتأكيد لا، حتى إن بعض الأمثلة السابقة قد تكون في جزئها الكبير من منطلق إنساني صرف. وأكثر من ذلك، فإن ثمّة نماذج لرياضيين تثبت أن الأعمال الخيرية هي جزء أساسي من رسالتهم في ميادين الرياضة. فهذا الألماني ميكايل شوماخر أسطورة سباقات الفورمولا 1، هل من أحد يستطيع ألا يتوقف عند مبلغ الـ10 ملايين دولار الذي تبرع به «شومي» لضحايا زلزال تسونامي الذي ضرب جزيرة سومطرة الأندونيسية عام 2004؟ هنا، في هذه الحالة، لا يمكن تصوّر نجم على أبواب اعتزاله حينها يدفع هذا المبلغ الضخم لغايات أبعد من أن تكون خيرية.
نجم آخر هو الفرنسي زين الدين زيدان، أفضل لاعبي العالم سابقاً، نذر حياته بعد الاعتزال ووظّف كل شهرته من أجل الأعمال الخيرية، وخصوصاً أنه يشغل منصب سفير للنيّات الحسنة للأمم المتحدة، حيث تراه يتنقل بين دول العالم في مهمات إنسانية وخيرية، وقد صرّح أخيراً بأنه يشعر بالرضى عن نفسه حين يقوم بمساعدة الآخرين.
المالي فريديريك كانوتيه، لاعب اشبيليه الإسباني، يسير على خطى زيدان وشوماخر. لا بل أكثر من ذلك، فإن كانوتيه، في إحدى المقابلات الصحافية، رفض التعليق على أعماله الخيرية قائلاً: «أتمنى أن تكون مشاريعي الإنسانية كلها طيّ الكتمان، وهذه هي رسالتي في الحياة».


مباراة عالمية خيرية لهايتي

احتشد أكثر من 51 ألف مشجع خلال المباراة الخيرية بين فريقي «زيدان ورونالدو ورفاقهما» وبنفيكا البرتغالي في مدينة لشبونة، التي انتهت بالتعادل 3ـ3، وقد ذهب ريعها لعائلات ضحايا جزيرة هايتي المنكوبة. وتقدم النجوم، الفرنسيان زين الدين زيدان وتييري هنري والبرازيليان كاكا ورونالدو والبرتغالي لويس فيغو