لما كانت الجمعيات الرياضية في لبنان تتكاثر بحجة الحفاظ على التوازن الطوائفي والمناطقي، تجرّأ أول وزير للشباب والرياضة سيبوه هوفنانيان عام 2003 وأصدر قرار مسح للجمعيات الرياضية، فماذا كانت النتيجة؟
إبراهيم وزنه
لا أحد ينكر أن التسابق على إنشاء الجمعيات الرياضية في لبنان هو انعكاس واقعي لصورة المجتمع المتعدّد الاتجاهات والتوجّهات، حيث التسابق على أشدّه بين أطيافه وطوائفه لإثبات الوجود في الساحات الشبابية والجمعيات الرياضية، الداعمة الأساس للأحزاب والقيادات السياسية. ولطالما خرجت تلك الجمعيات عن الإطار الموضوع لها أصلاً دون أدنى محاسبة، وفي كثير من الأحيان حصلت على تراخيصها الرسمية من دون التزامها بتوفير مستلزماتها القانونية (ملعب، قاعة، لاعبين، مدرّبين، جمعية عمومية وهيئة إدارية)، وهذه الفوضى المتمادية، أضافت، مع الوقت، إلى أوجاع رياضتنا التائهة ما بين الهواية والاحتراف أوجاعاً إضافية... وأندية وهمية. وبقيت الفوضى تضرب أطنابها في الحياة الرياضية في طول البلاد وعرضها، إلى أن استبشر الجميع خيراً مع إنشاء أول وزارة للشباب والرياضة في عام 2000. وما هي إلا سنوات معدودة حتى أقرّ الوزير سيبوه هوفنانيان في عام 2003 مرسوم المسح الرياضي القانوني للجمعيات، الهادف إلى نظم واقعنا الرياضي المهترئ.
يومها، وجد فيه المتضررون ظلماً، وقرأه آخرون على أنه يشير إلى السيطرة على اللجنة الأولمبية من منطلق سعي الفريق الوزاري، الدائر في فلك هوفنانيان، إلى إيصال رؤساء اتحادات مقرّّبين منه.
ومن ارتدادات ذلك القرار الجريء، نذكر إقدام رئيس اتحاد لعبة الكرة الطائرة عام 2005 نصري لحود على مباركة المسح الذي طال أكثر من 100 جمعية منضوية تحت لواء اتحاده. في المقابل، أصرّ هوفنانيان على تكرار مقولته «لن أسمح للاتحادات بتخطّي القوانين»، والكل يذكر كيف أسقط هوفنانيان اتحاد كرة القدم عام 2002 لمخالفته قوانينه.

من 1100 جمعية إلى 754

بداية، نشير إلى أن المسح الذي شهره الوزير في وجه الجمعيات إنما كان يطالها في شقّها الفني (الملعب والقاعة والمعدات). ففي أوّل عملية مسح شامل للجمعيات الرياضية التي وصل عددها مطلع عام 2005 إلى ما يزيد على 1100 جمعية، سقط في «غربال المسح» ما يزيد على مئتين منها، معظمها من لعبتي الكرة الطائرة وكرة السلة. واليوم، بعد آخر حملة «غربلة» أقيمت في عام 2008، وصل عدد الجمعيات إلى 754 جمعية موزّعة على 36 اتحاداً و8 جمعيات، ومعظم الأندية «الممسوحة» سقطت نتيجة عدم مشاركتها لموسمين متتاليين في الألعاب التي تنتسب إليها، وهنا أدّت الاتحادات دوراً إيجابياً في تسمية الأمور بأسمائها، مع الإشارة إلى أن المسح «الفزّاعة» يكتسب قوته وقانونيّته من المرسوم الرقم 213 (المادة 9). وفي المعلومات أن الأندية «المشطوبة» من سجلات الاتحادات عملت الوزارة على تصنيفها ضمن خانة «الأندية الشعبية»، ومع ذلك يرى المراقبون أن ما حصل هو مسح مخفّف ومرطّب بتمنيات سياسية، ولو طُبّقت القوانين بحذافيرها لوصل عدد الأندية إلى 300 والاتحادات إلى 10 فقط.

حلّال: لا وجود لخطة رياضية

«يجب ضبط عملية إنشاء الجمعيات الرياضية، وخصوصاً في المحافظات. فالمنطق لا يقبل إصدار ترخيص ثانٍ في لعبة ما في البلدة نفسها». «يجب تفعيل التواصل بين الوزارة والاتحادات للوقوف على حركة الجمعيات الرياضية»، «أدعم تحويل الجمعيات المشطوبة إلى فئة الأندية الشعبية مع الحرص على إبقائها، ولا أدعم فكرة الترخيص لأندية شعبية جديدة»، «انعدام الثقافة الرياضية في مجتمعاتنا أسهم في تأخّرنا رياضياً، وهنا تقع المسؤولية على عاتق الأهل والمدارس والقطاعين الرسمي والخاص، ولا يجوز أن تبقى حصة الرياضة ضحية حصّة الرياضيات في المدارس».
مواقف وآراء لرئيسة مصلحة الرياضة بالإنابة، في وزارة الشباب والرياضة، السيدة فاديا حلال، أطلقتها وفي قلبها الكثير من الأسى لواقع رياضي مرير، سمّته التراجع الفني والانقسام الإداري على جميع المستويات وفي معظم الألعاب. بالفم الملآن قالت حلال «لا خطة رياضية واضحة في لبنان. فالاتحادات تنظّم بطولاتها من دون جهد، فيما المطلوب إقامة مشاريع مشتركة بين الوزارة والاتحادات بهدف إعداد كادر من الحكام والمدرّبين اللبنانيين للمساهمة في التخفيف من عمليات التعاقد مع أجانب، ويجب تأسيس أكاديميات للناشئين في كل الألعاب بغية إعداد جيل من الواعدين المتعلّقين بالرياضة».

نواد عديدة حصلت على تراخيص رسمية دون توفير التزامات قانونية

لو طبّقت القوانين تماماً لوصل عدد النوادي إلى 300 والاتحادت إلى عشرة

عدم التنسيق بين وزارتي التربية والشباب والرياضة أضعف الإنتاج الرياضي
وفي الحديث عن الخلل الكبير الذي أصاب الحياة الرياضية في العقد الأخير، لفتت حلال إلى أن انعدام التنسيق بين وزارتي الشباب والرياضة والتربية والتعليم أضعف عملية الإنتاج الرياضي من الخزان الأساسي الذي هو المدارس. ونشير في هذا السياق إلى أن إلحاق أساتذة الرياضة بملاك وزارة التربية أوجد شرخاً إدارياً وبعداً عن ساحات التألّق، ولاحقاً، تلقّت الحياة الرياضية في لبنان ضربة أخرى، تمثّلت بإغلاق دور المعلمين للرياضة والمعهد الوطني، وهذه كلها محطات أسهمت بطريقة مباشرة وغير مباشرة في تأخّر لبنان على اللائحة الرياضية، وخصوصاً في الجانب الفني.

نتائج وأرقام وموزانات

وفي إطلالة على حجم الموازنات التي كانت ترصدها الحكومات لوزارة الشباب والرياضة بغية مساعدتها في تفعيل الحركة الرياضية الشبابية الكشفية، فقد وصلت إلى 5 مليارات ليرة لبنانية أيام الوزير هوفنانيان، الذي دعم الأندية والجمعيات أكثر من الاتحادات، ثم تراجعت إلى مليارين مع الوزير فتفت الذي عمل على دعم الاتحادات دون النظر إلى وضع الأندية، أما موازنة المير طلال أرسلان (ملياران) فقد رصدت بكاملها للحصول على التمثيل المشرّف في الألعاب الفرنكوفونية، وهذا ما لم يتحقق.
ختاماً، نستنتج ونؤكّد أن إلغاء دور معلمي الرياضة قد ألغى الدور الإيجابي للرياضة المدرسية، وأن موازنة الدولة لتفعيل الرياضة في لبنان حالياً (ملياران) تدل على مدى «هامشية» الحركة الرياضية عند أصحاب القرار في لبنان، وأن خضوع الحياة الرياضية للمآرب السياسية سيبقيها بلا روح ومن دون نتائج إيجابية، وحتى تتحرر الرياضة والأندية من تلك القيود، نضمّ صوتنا إلى السائل المتهكّم: الماسح والممسوح...وما بينهما؟


تشريع

مسحان جديّان في السنوات العشر الماضية


(أُجري خلال السنوات العشر الماضية مسحان جدّيان في عهد الوزير سيبوه هوفنانيان بداية، حيث كلّف «الإحصاء المركزي» بتلك العملية المعقدة، ومن بعده الوزير أحمد فتفت. وتمكّنت وزارة الشباب والرياضة إلى حدّ بعيد من ضبط عملية انتساب الجمعيات الرياضية إلى الاتحادات الخاصة بها، حيث طالبتها بمشاركتها في رصد نشاطات النوادي، ضمن قواعد عملية واضحة تحت عنوان «كلّ ناد لا يشارك في المسابقات التي ينظّمها اتحاده الخاص الرسمي يُشطب، وبالتالي يُمنع من المشاركة في أعمال الجمعية العمومية، وما تحتويه من قرارات وانتخابات. وكان من نتائج المسحين أيضاً تحوّل اتحادَي التزلج المائي وسلاح المبارزة إلى لجنتين، بدلاً من «اتحادين»، تبعاً لمضمون القوانين الأساسية لإنشاء الاتحادت. فالقانون يفرض انتساب 4 أندية على الأقل إلى إحدى الألعاب الجماعية وخمسة نواد إلى الألعاب الفردية ليكسب الاتحاد الشرعية ليدير النشاطات. ويذكر تاريخ حركة المسح الرياضي في لبنان أيضاً عملية جرت في السبعينيات ولاقت اعتراضات من بعض الاتحادات المتضرّرة، حيث قفز مسؤولوها سريعاً طالبين تدخّلات لمراجع سياسية نافذة عطّلت نتائج العملية وتوابعها، ما أدى إلى تراكم أعداد النوادي بواقع فوضوي بات ينتظر قرارات حاسمة وإرادة رسمية بضرورة إعادة التنظيم والتطوير.


هوفنيان كلّف «الإحصاء المركزي» لإجراء المسح وحلّال تصف الواقع الرياضي بالمرير