قبل التطرق إلى الأحداث الرياضية في العام الحالي ومن كانوا نجوم الموسم ومبدعيه، لا بد من التوقف أولاً عند سمة العنف التي طبعت ملاعب الرياضة في عام 2009، إذ ليس مبالغاً القول فيه إنه الأسوأ، أقلّه، في السنوات الأخيرة
حسن زين الدين
تفرض البطولات التقليدية الكبرى عادة نفسها كأهم الأحداث الرياضية خلال العام. هذا ما يقوله منطق الرياضة، وفي أحيان استثنائية يمثّل إبداع النجم خلال العام، الحدث بذاته، لكن في عام 2009، قبل الحديث عن هذا وذاك، لا بد من التوقّف عند سمة طبعت العام الحالي، سمة لا تتطابق البتة مع الروح الرياضية... إنه العنف.
نعم، إذا ما وضعنا تألّق بعض النجوم هذا العام جانباً، فإننا نستطيع أن نطلق على عام 2009 الرياضي، عام العنف. إنه العنف الذي لم يلحق بأذاه رياضة واحدة ولم ينحصر حتى في قارة واحدة. كان متنقلاً، مباغتاً في أحيان أخرى لفظاظته، أوَلا يكون كذلك عندما لا تكون عوامل طبيعية أو خارجة عن إرادة الإنسان سبباً فيه؟ بالتأكيد سيكون الجواب: نعم.

مأساة أفريقية

فلنبدأ قصة العام الرياضي الأعنف من أفريقيا. من المقلب المنسيّ في العالم، من الأرض السمراء المجبولة بفقر أبنائها وبساطتهم. هكذا، فقد كانت كرة القدم، لعبتهم المفضلة وأحد أهم مصادر رزقهم، قاسية عليهم خلال العام. 19 قتيلاً و132 جريحاً راحوا ضحية لسوء التنظيم. في لحظة واحدة أضحوا تراباً، لا لشيء، فقط لأنهم يعشقون هذه اللعبة التي تشبههم. كان ذلك في التاسع والعشرين من شهر آذار عندما حصل تدافع رهيب بين المتفرجين خلال مباراة ساحل العاج ومالاوي في تصفيات مونديال 2010، الذي لسخرية القدر ستستضيفه قارتهم. هل تصدقون أن ملعباً يتسع لـ35 ألف متفرج قد احتشد فيه 50 ألفاً! وما زاد من تراجيدية المشهد استخدام الشرطة الغاز المسيل للدموع، ما أدى إلى هرج ومرج كانت نتيجته كارثية.
في أفريقيا أيضاً وأيضاً، لكن في جزئها الشمالي هذه المرة، كان المشهد مقززاً في شهر تشرين الثاني خلال المباراتين اللتين جمعتا مصر والجزائر في تصفيات مونديال 2010. هنا لم يكن للجهل بأمور التنظيم سبب في حدوث كل ذلك العنف الذي رافق المباراتين في مصر وفي الخرطوم. لا يفرق هنا من كان على حق بين الطرفين: هل فعلاً اعتدى الجمهور المصري على حافلة المنتخب الجزائري في مصر، كما زعم الجزائريون، أم هل صحيح أن الجزائريين اعتدوا على مواكب الجماهير المصرية المتجهة إلى مطار الخرطوم، كما زعم المصريون؟ ليس مهماً التأكد من صحة ما حدث وكم كان عدد «الضحايا»، المهم في الأخير أن المشهد الرياضي كان عنيفاً على كل المستويات، بشعاً، هذا أقل ما يمكن وصفه.

«هوليغنز» أوروبا

في القارة الأوروبية، كان العنف حاضراً أيضاً في ملاعب كرة القدم. ففرنسا كانت على موعد في 25 تشرين الأول مع عنف في شوارع مدينة مرسيليا، عندما وقع اشتباك بين جماهير فريق المدينة وضيفه باريس سان جيرمان بعد تأجيل مباراتهما بسبب إصابة عدد من لاعبي فريق العاصمة بأنفلونزا الخنازير، لتتحول شوارع المدينة إلى مسرح فوضوي ودموي سقط فيه 16 جريحاً. وفي بلجيكا، لم يكن الحال أفضل من فرنسا، لا بل كان مستوى العنف مضاعفاً ووحشياً، وقد دفع الشاب بريس تايتون حياته ثمناً لعنف مجموعة من الجمهور الصربي قبل مباراة بارتيزان بلغراد وتولوز الفرنسي في 17 أيلول، عندما نشب إشكال بين جمهوري الفريقين في إحدى الحانات، حيث أقدم الصربيون على رمي الشاب من طابق يعلو عشرة أمتار عن الأرض، ليفارق الحياة بعد 12 يوماً قضاها في العناية الفائقة، وقد أحيل 14 شخصاً على المحاكمة، بينما فرّ اثنان من المعتدين، وهما ملاحقان من الإنتربول الدولي.

كالعادة في أميركا الجنوبيّة

في أميركا الجنوبية لم يمرّ العام طبعاً من دون عنف، فقد دخل جمهور فريق كوريتيبا إلى أرض الملعب خلال المباراة مع فلومينيسي في الدوري البرازيلي، حيث اعتدوا على اللاعبين والمصورين والحكام. «المعركة» لم تنته هنا بل استُكملت في السهرة مع الشرطة، كانت حصيلتها 19 جريحاً.

عنف سياسي وعدواني

في آسيا، أخذ العنف على الرياضة شكلاً مختلفاً كلياً. هنا، لا ذنب للرياضة، فعندما تلعب السياسة يصبح الجميع مشاهدين. هكذا، فقد تعرّض ستة من لاعبي منتخب الكريكيت السيريلانكي للإصابة خلال مباراتهم مع باكستان في إسلام آباد، وذلك بعد تعرّض حافلتهم لهجوم نفّذه 12 مسلحاً في البلاد التي تشهد أعمال عنف وصراعات بين السلطة الحاكمة والتنظيمات المتشددة.
هذا في إسلام آباد، أما في غزة، فلم تقف صفة بعض المواطنين العزّل هناك كرياضيين لتحميهم من همجية العدوان الإسرائيلي أوائل العام. أصلاً هناك في غزة، الرياضي هو مشروع شهيد، وقد سقط خمسة منهم بصواريخ إسرائيلية. هذا قدرهم طبعاً، وبطبيعة الحال لم تقصدهم الطائرات بذاتهم لأنهم رياضيون، لكن من قال إن الدولة العبرية لم يصل حقدها حتى إلى الرياضة، التي تُدخل بعض الفرح إلى قلوب الأطفال الغزاويين الفقراء، عندما تعمّدت قصف ملعب رفح؟!


العنصرية شكل آخر من العنف