في لحظة ضعف ما خلال مسيرة اللاعب، قد تنهار كل تلك الهالة التي تصنعها النجومية وتغلّف بها حياته. تنكشف خديعة النجومية التي توحي بالسعادة المطلقة. روبرت انكه هو آخر الضحايا، انضم إلى لائحة كانت تحوي 29 لاعباً، وأضحى المنتحر الرقم 30
حسن زين الدين
لم يكن نبأ انتحار روبرت انكه عادياً. هكذا، ببساطة، أن يتّجه حارس مرمى منتخب ألمانيا، بسيارته، إلى تقاطع أحد القطارات، أن يفتح الباب، ويترجّل، ويرمي جسده أمام القطار، كل ذلك ليس بقليل ويبدو صاعقاً.
نعم هو حدث صاعق بكل المقاييس. قيل إن انكه كان يعاني اكتئاباً مزمناً، وإنه فقد طفلته التي كانت تبلغ عامين من عمرها، وإنه أصيب بفيروس غريب أبعده خمسة أسابيع عن الملاعب.
قيل كل ذلك، لكن ما لم يُقل هو أن انكه، في نهاية الأمر، إنسان كغيره (بغض النظر عن حرمة الانتحار) وأنه يمتلك مشاعر وعواطف مهما حصّل من مجد وشهرة، ولو كان حارس مرمى أحد أهم منتخبات العالم. في مكان ما، لا مناص من لحظة ضعف تنهار أمامها كل تلك الهالة التي تصنعها الشهرة والنجومية. في لحظة ما تبدو النجومية ماكرة، خدّاعة، توهم بالسعادة المطلقة، تقلّص الخيارات أمام صاحبها، تغلق أمامه المنافذ، فيجد نفسه في آخر النفق.. يقدم على الانتحار. وفي تلك اللحظة بالذات يزول الوهم، تنكشف الحقيقة، نعلم عندها أن انكه فقد ابنته الصغيرة، أنه كان يعاني وحيداً، أنه كان يعيش حياة حزينة.

الازدواجية تحكم حياة النجم

تغلّف النجومية حياة اللاعب بهالة من السعادة المطلقة
لعل ما أقدم عليه روبرت انكه هو تجسيد واضح وصريح لهذه الازدواجية التي قد تصيب حياة اللاعب ـ النجم. هنا تلعب شخصية اللاعب لعبتها أو في أحيان أخرى يتدخل القدر لحسم اتجاه الأمور. فلنأخذ على سبيل المثال نجماً لامعاً آخر، هو اللاعب الإنكليزي المعتزل بول غاسكوين. فقبل أشهر قليلة، حاول أن يضع هذا النجم السابق حدّاً لحياته من خلال إدمانه شرب الكحول، وقد خرج ليكشف لوسائل الإعلام أنه حاول مرات عديدة أن ينتحر خلال مسيرته كلاعب، وذلك بسبب معاناته من مشاكل مع زوجته السابقة وأطفاله .
هكذا، فاجأ غاسكوين العالم، وسبق روبرت انكه، ليكشف خديعة النجومية: من كان ليصدّق أن غاسكوين اللاعب المشاكس بامتياز وذا الشخصية القوية في أي فريق حلّ، يعاني كل هذا الضعف في داخله؟!

انكه المنتحر الرقم 30

في ليل 10/ 11/ 2009 أقدم انكه على الانتحار إذاً. في تلك اللحظة تحديداً التحق اسم انكه بلائحة كانت تضم 29 لاعباً صنّفت وفاتهم رسمياً ضمن خانة: الانتحار، ابتداءً من اللاعب اللاتفي ألبرت تاروليس (1906 ـ 1927) وصولاً إلى اللاعب الاسكتلندي بول ماكغريلين الذي انتحر في 29 تموز من هذا العام.
وتختلف جنسيات هؤلاء اللاعبين الـ30، حيث تستحوذ القارة الأوروبية على العدد الأكبر: 24، تليها أميركا الجنوبية: 4، وواحد لكلّ من قارّتي أفريقيا وآسيا.
واللافت أن إنكلترا واسكتلندا تتصدّران قائمة أكثر الدول التي ينتحر فيها لاعبو كرة القدم بواقع 6 لكل منهما، تليهما لاتفيا باثنين، وواحد لكلّ من ألمانيا، المجر، إسبانيا، اليونان، إيطاليا، بولونيا، سويسرا، النمسا، ويلز، روسيا، جنوب أفريقيا، كوستاريكا، الهند، تشيلي، بوليفيا والبرازيل.
وفي عرض لحالات انتحار اللاعبين، نجد أن طرق إقدام هؤلاء على وضع حدّ لحياتهم تتراوح بين إطلاق النار على الجسد، كما في حالة ماكغريلين وهي الأكثر شيوعاً، أو في حالات أخرى عبر الارتماء أمام القطار كما في حالة انكه ولاعب برشلونة الإسباني الأسبق سيرغي لوبيز سيغو، أو عن طريق القفز من شرفة المنزل كما في حالة الروسي ليونارد اداموف، أو عبر تناول جرعة من السم كما في حالة الإنكليزي دايفي كليمنت.