في الوقت الذي كان فيه العرب مشغولون بمباراة مصر والجزائر، التي كاد يتوقف عليها مصير الأمّة، كان النجم البرازيلي رونالدو يحمل بين كفيه قميص إسرائيل مبتسماً أمام رئيسها بيريز. مرة أخرى «يلعبها صح» عدوّنا بينما نحن غائبون
حسن زين الدين
مرّ شهر أيلول ولم يحضر النجم البرازيلي رونالدو إلى لبنان من أجل تصوير فيلم قيل إنه يجسّد قصة حقيقية عن فتى (تردّد أيضاً أنها فتاة) كان يحلم بلقاء «ال فينومينو» (أي الظاهرة) لكنه تعرّض لبتر رجله جرّاء قصف الطائرات الإسرائيلية لمخيم رفح.
مرّ شهر أيلول ولم تطأ قدما أفضل لاعب في العالم، سابقاً، أرض مطار بيروت لقضاء عدة أيام من أجل فيلمه، كما كان متّفقاً.
حلّ شهر تشرين الثاني وسرّب لنا أول مشاهد «فيلم» بطلنا العالمي: رونالدو إلى جانب الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز يتبادلان قميصي فريق اللاعب في البرازيل كورينثيانس، ومنتخب إسرائيل، حتى إن اللقطة كانت رومانسية للغاية ومثالية لبداية فيلم بطلنا، فابتسامة رونالدو كانت وردية وفاقعة.
هكذا إذاً، علّق رونالدو، النجم ذو الشعبية الجارفة عربياً، كل ارتباطاته المزدحمة كلاعب «سوبر ستار»، وأبى إلا أن يلبّي دعوة بيريز في أحد فنادق ساو باولو خلال زيارة الأخير إلى البرازيل. رونالدو الذي زار رام الله وتل أبيب عام 2005 من أجل الترويج للسلام سفيراً للنيّات الحسنة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أفصح لنا هذه المرة عن موقفه الحقيقي تجاه إسرائيل. ففي عام 2005 كان الموقف ملتبساً بالنسبة إلينا، ورغم أنه خلال هذه الفترة سقط آلاف الشهداء في لبنان عام 2006 وغزة عام 2008، فإن رونالدو بدا غير مصدّق أنه في ضيافة رئيس الدولة التي اقترفت كل تلك الجرائم. في خلال عشر دقائق رمى نجمنا خلف ظهره ملايين من العرب المعجبين بلعبه لمصلحة حفنة من الإسرائيليين.

بين إعلامنا وإعلامهم

بطبيعة الحال، وكما العادة، مرّ لقاء رونالدو ـ بيريز مرور الكرام في الإعلام العربي، لكنه في المقابل كان بمثابة الصيد الثمين بالنسبة إلى الصحف الإسرائيلية، وعلى رأسها «جيروزاليم بوست»، التي أفردت تقريراً موسعاً للمقابلة، مرفقاً بصورة رونالدو حاملاً قميص منتخب إسرائيل، وتحدّثت عن الودّ الذي ملأ كلمات الرجلين في لقائهما.
هنا، في هذه النقطة بالتحديد، يكمن التقصير العربي الفاضح. هنا بالتحديد جوهر الصراع مع هذا العدو الذي لا بد أن نقرّ في مكان ما بأنه «يلعبها صح»، لا لذكائه بل لتقاعسنا. فلقاء رونالدو ـ بيريز بحدّ ذاته ليس المفاجأة. فاللاعب البرازيلي قد لا يعنيه ما يدور بين العرب وإسرائيل، لكن ما يعنينا نحن هو هذا الغياب عن المسرح العالمي في زمن العولمة وعصر الفضائيات والصورة، هذه الأخيرة التي لها ما لها من أهمية في التأثير على الرأي العام العالمي. فلندقق جيداً في خبث الإسرائيلي: رئيس هذا الكيان بيريز لم ينس رغم كل ارتباطاته أن يضع في حقيبته التي وضّبها في تل أبيب قميص إسرائيل لإهدائه إلى رونالدو. في تلك اللحظة كان العقل الإسرائيلي قد صدّق على الفكرة الجهنّمية: صور رونالدو حاملاً قميص إسرائيل ستفعل فعلتها في العالم، ستُظهر إسرائيل بصورة البلد المحبّ للسلام، المفعم بالروح الرياضية، فيما العرب يتراشقون إعلامياً ويكادون يتقاتلون من أجل مباراة في كرة القدم.
رغم كل تلك السنوات لم نفهم، على الأقل رياضياً، أصول اللعبة التي كشف الإسرائيلي أوراقها مراراً وتكراراً. فلنعد إلى كأس العالم عام 2006، حين رفع الغاني جون بانتسيل علم إسرائيل خلال مباراة بلاده وتشيكيا، اكتفينا وقتها كالعادة بالتنديد والاستنكار.
لم نع بعد كل هذه الفترة أهمية الصورة والكلمة، إلى جانب الرصاصة، في صراعنا مع هذا العدو. للتفاصيل أهميتها بقدر العناوين الكبرى. لم يعد ينفع أن نكتفي بترداد تلك الأغنية الشعبية المصرية الشهيرة: «أنا بكره إسرائيل وبحب...» لا بد من إثبات على أننا فعلاً نكره إسرائيل!


رونالدينيو سبق رونالدو

خلال العدوان الإسرائيلي في تموز 2006 على لبنان، خرج نجم برازيلي آخر هو رونالدينيو ليبدي تعاطفه مع الدولة العبرية وأطفالها، كما نقلت حينها الصحف الإسبانية، ما خلّف استياءً عارماً دفع باللاعب إلى أن يصدر بياناً في ما بعد يعلن فيه دعوته «للسلام ونبذ الحروب»