هل بدأ زمن التطبيع الرياضي كمقدّمة للتطبيع الكامل مع إسرائيل؟ هذا التساؤل لم يعد مستغرباً إذا ما اطّلعنا على ما يجري في الدوري الإنكليزي، وفي منتديات المشجّعين العرب على الإنترنت. عندها سيتحوّل هذا السؤال إلى علامات تعجّب
حسن زين الدين
رغم أن مقاطعة العرب لإسرائيل رياضياً بدأت منذ أن أنشئ الكيان الصهيوني على أرض فلسطين عام 1948، فإن تطور كرة القدم وتحوّلها إلى «بيزنيس» أحدث خرقاً لهذه المقاطعة، وتحديداً منذ أن بدأ احتراف اللاعبين العرب في البطولات الأوروبية بالتزامن مع هجرة اللاعبين الإسرائيليّين إلى هناك. الدوري الإنكليزي حالياً يعدّ خير مثال لتجسيد هذا الواقع الجديد. ورغم بعض ردّات الفعل الأخيرة على خلفية تعيين نادي بورتسموث، الإسرائيلي افرام غرانت مديراً رياضياً له بالتزامن مع امتلاك رجل الأعمال السعودي علي الدخيل النادي خلفاًً للإماراتي سليمان الفهيم، فإن الواقع يبدو أعمق من ذلك، ومن يشاهد الدوري الإنكليزي يمكنه متابعة لاعبين عرب مجتمعين منذ فترة في الفريق نفسه مع لاعبين إسرائيليّين، ولعل بورتسموث ذاته يضم في صفوفه الإسرائيلي تال بن حاييم والعربيّين يونس كابول (المغرب) ونذير بلحاج (الجزائر)، أضف إلى أن نادي ليفربول العريق، ذا الشعبية الكبيرة عربياً، يضم قائد منتخب إسرائيل يوسي بن عيون والمغربي نبيل الزهار، فيما يغرّد تامير كوهين (لحسن الحظ) وحيداً في نادي بولتون.

الإنترنت يفضح

هكذا، فإن الصور المنقولة تلفزيونياً وبيانات الأندية الرسمية تؤكّدان لنا من دون أدنى شك اجتماع اللاعبين العرب والإسرائيليّين في أندية إنكلترا. ورغم عدم اطّلاعنا على طبيعة العلاقة بين هؤلاء في أروقة أنديتهم، فإن مجرّد وضع علم الدولة العبرية والبلاد العربية المذكورة في قوائم الفريق نفسه يستدعي علامات الاستفهام، أضف إلى أنه من المؤكّد أن اللاعبين يجتمعون معاً أثناء التدريبات، وخصوصاً إذا كان اللاعبان يشغلان المركز ذاته في فريق محترف كما حالة المدافعَين كابول وبن حاييم.
هذا إذاً ما يردنا من إنكلترا. لكن كيف هو تفاعل الجمهور العربي مع هذه المسألة، وخصوصاً لدى جماهير فريق ليفربول العريق، وهم كثر في العالم العربي، وخصوصاً أيضاً إن كان اللاعب من أهم لاعبي الفريق كما بن عيون؟
الجواب عن هذا التساؤل سهل جداً. الإنترنت هو من يكشف لنا موقف هؤلاء. منتديات هذا الفريق الإنكليزي المنتشرة كالفطريات هي التي ترشدنا إلى آرائهم. هنا لا مكان للغرف المغلقة كما في إنكلترا، هنا الفضاء واسع ومكشوف.

تباين بشأن بن عيون

إذاً، ومنذ أن انتقل الإسرائيلي يوسي بن عيون إلى ليفربول قبل ثلاث سنوات، انتشرت الحوارات بين مشجعي هذا الفريق في المنتديات بشأن اللاعب القادم من أرض الأعداء. مواقف كانت وما زالت حتى الآن تراوح بين الانتقاد والقبول والدعوة إلى فصل الرياضة عن السياسة. آراء في بعض الأحيان، تتخطى الخطوط الحمر ولا من يسأل. وهنا جولة على بعض هذه المنتديات (مع التحفّظ على ذكر أسمائها وجنسيات أعضائها).
في أحد منتديات ليفربول إذاً، يطرح أحد الأعضاء سؤالاً متشعّباً على زملائه: «ما هو تقويمكم للّاعب يوسي بن عيون؟ هل هذا العام هو أفضل مواسمه مع الفريق؟ وهل يستحق أن يكون في ليفربول؟...». فيدلي أحد الأعضاء بدلوه بإعطائه بن عيون علامة 8،5 على 10، ويرى «أن الموسم اللي طاف (أي الذي مضى) هو أفضل مواسمه، جازماً: «إي، أكيد يستحق أن يكون في ليفربول».
في منتدى آخر يبدو الموقف مغايراً كلياً، حيث يبادر أحد الأعضاء إلى عرض الفيديو الذي تلقّى فيه بن عيون ركلة من مدافع تشلسي البرتغالي بوسينغوا قبل عامين، فتأتي الردود إيجابية هنا، حيث يقول أحدهم: «أشهد أنه كفو (أي بوسينغوا)»، ويقول آخر: «أدخلت السرور إلى قلبي بهذا المنظر اللذيذ».
النقاشات في منتدى آخر ستشهد تصاعداً واتهامات بين أعضائه عندما ينقل أحدهم خبراً عن فوز ليفربول على ريال مدريد الإسباني العام الماضي بفضل هدف بن عيون، فيقول واحد منهم: « لعنة الله على الإسرائيليين»، ويضيف: «والله ماني فاهم كيف اتشجعوا فرق مثل ليفربول وتشلسي اللي كلها إسرائيليين ومسيطرين عليها».

ثمة عدد من اللاعبين العرب والإسرائيليين المحترفين في الفريق نفسه في الدوري الإنكليزي!

فيردّ عليه آخر: « يا أخي هذا موقع رياضة ولا دخل للسياسة فيه»، فيجاوبه آخر: «يعني من كل الأهداف المسجلة ما وجدت غير الصهيوني على العنوان، لماذا تحاول استفزاز العرب يا عربي؟”، وتأتي الصدمة من أحدهم: «الله عليك يا بن عيون رفعت راسنا»!!
قد يكون موقف هذا العضو الأخير من باب «التزريك» لأصدقائه، لكن في أحد المنتديات التي موقعها في شمال أفريقيا لا مجال لهذه الفرضية، فهنا أحد الأعضاء يتباهى أمام زملائه قائلاً: «اليوم عدت ومعي تصميم (غرافيكي) للاعب بن عيون»! فيرد عليه آخر معترضاً... لكن على نوع الخط! بقوله: «تصميم ممتاز يا معلم لكن حاول أن تختار خط أحسن»، فيصوّب الأمور عضو آخر طالباً من صاحب التصميم أن لا يضع بن عيون ضمن تصاميمه، فيأتيه الرد: «أخي العزيز صحيح أن بن عيون لاعب إسرائيلي لكنه لاعب جدير بالاحترام والتقدير»، فينبري له آخر: «غريب أن أرى تصميماً للاعب إسرائيلي، والأكثر غرابةً أن تدافع عنه»، فيحسم أحدهم الجدال: «موضوع خرج عن نطاق الرياضة... مغلق».
لا بد من الإشارة هنا إلى أن النسبة الأكبر من أعمار هؤلاء الأعضاء هي ما بين الـ 15 والـ 30 عاماً. أما القول إن هذه المواقع قد تكون مخترقة من جانب الإسرائيليين، فهذا أمر وارد، لكنه لا يخفي أن ثمة غياباً للرقابة على هذه المواقع وهنا مكمن الخطورة، أما اجتماع العرب والإسرائيليين في ملاعب إنكلترا، فهو الطامة الكبرى بعينها!


إبراموفيتش فاتح عهد الإسرائيليّين

قبل حوالى أربع سنوات بدأ توافد اللاعبين الإسرائيليّين إلى الدوري الإنكليزي، وأدّى الدور الأكبر في ذلك مالك نادي تشلسي الروسي اليهودي رومان إبراموفيتش (الصورة) الذي يرتبط بعلاقات وثيقة بتل أبيب، وكان الهدف (أقلّه في الظاهر) تقوية المنتخب الإسرائيلي لكرة القدم، وهذا ما حدث مع بروز يوسي بن عيون وتال بن حاييم