ميسّي بحماية رجل عصابات لضمان سلامته في أميركا الجنوبية، قد يبدو الأمر غريباً، لكن لا مجال للعبث مع المافيا. من قبل سقط اسكوبار صريعاً ومارادونا مدمناً، إذاً فليكن «الأفعى»... حفاظاً على سلامة كرة القدم
حسن زين الدين
كل ما يطلبه ليونيل ميسّي النجم الأرجنتيني رهن إشارة واحدة فقط من إصبعه، كيف لا؟ وهو اللاعب الأفضل في العالم حالياً برأي الكثيرين. كيف لا؟ وهو المقبل لأن يكون أغلى لاعب في العالم بأجر يتراوح بين 10 و12،5 مليون يورو سنوياً. إذاً ميسي = النجومية والمال، وعندها تصبح الأعين مفتّحة على هذا الفتى الذهبي.. على هذه الثروة البشرية التي مُنحت لشعب الأرجنتين، وأي سوء يصيب هذه «اللؤلؤة» قد يسبب ثورة شعبية لا تبقي ولا تذر، إذاً ينبغي الحفاظ على سلامة «الأيقونة». وحده «الأفعى» هو من يضمن ذلك. تسقط عندها كل الاعتبارات بالنسبة إلى اتحاد اللعبة المحلي والسلطات كرمى للأيقونة، ذلك أن «الأفعى» كما يعرف في عالم كرة القدم في بلاده ليس إلا أرييل بوغلييز، أحد كبار الرؤوس في «Barras Bravas» أحد أخطر تنظيمات مشجعي اللعبة في قارة أميركا الجنوبية والمشهورة بترويج المخدرات في ملاعب كرة القدم. الأفعى، المتهم بقتل أحد المتفرجين عام 2007 والذي ينتظر حكم المحكمة، هو المرافق الشخصي لميسّي إذاً، لضمان سلامته خلال جولات تصفيات كأس العالم 2010 ، هكذا ارتأى الاتحاد الأرجنتيني شخصاً من قلب العصابة التي تمثّل كياناً خاصاً في البلاد ويحسب لها ألف حساب.

نفوذ الـ«barras bravas»

مجموعات غاضبة تكسّر السيارات وواجهات المتاجر. مسلحون يرعبون المارة ويوقفون السير. آخرون في المقلب الثاني ينهالون بالعصيّ على من يمرّ أمامهم. يستقلّون سياراتهم والدراجات النارية ويمضون مسرعين. قد يمرّ هذا المشهد في فيلم بوليسي هوليوودي، لكنه في الحقيقة ليس إلا نموذجاً عن طبيعة كرة القدم في الأرجنتين: هذه صورة عن «البارّاس برافاس».
«الباراس برافاس» إذاً هي الرأس المدبر والأقوى بين تنظيمات المتفرجين في أميركا الجنوبية. عصابة كبرى ذات نفوذ واسع تتخذ من القوّة شعاراً لعملها. مافيا ضخمة لترويج الأموال والمخدرات في ملاعب اللعبة الشعبية الأولى في بلاد دييغو أرماندو مارادونا.
«كان ولدي مرميّاً في وسط الطريق بعدما طُعن في ظهره، قتلوه لأنه كان يرتدي قميصاً ذا لون مختلف عن قمصان الفريق الذي يشجعونه»، يروي نورّا دو روزاليس والد إحدى الضحايا ما فعلته «الباراس برافاس» مع ولده الشاب. «سألت الشرطة عما حصل، فقالوا إنهم لا يعلمون شيئاً. قمت بنفسي بتحقيقات لمعرفة من قتله، فتلقّيت اتصالات هاتفية تهددني بالقتل إن لم أتوقف عن ذلك» يقول الوالد المفجوع بأسى.
روزاليس هو عيّنة من كثير من المتفرجين ممن وقعوا تحت قبضة المنظمة المعروفة في الأرجنتين بـ«Los Perales de Nueva Chicago»، إذ «ثمة 235 حادثة اعتداء في ملاعب كرة القدم، بينهم ضحايا، كل عام في الأرجنتين» بحسب ما تفيد منظمة التوعية التي تحمل اسم «دعونا ننقذ كرة القدم»، مضيفة بأن «جلّ هذه الحوادث تتحمل مسؤولياتها الباراس برافاس».
لكن هذه العصابة التي تمتلك نفوذاً كبيراً في البلاد، باتت أمراً واقعاً تعجز السلطات عن التصدي لها، ما أعطاها «حصانة» بشكل أو بآخر. هكذا يصبح من العادي أن يتوزع عناصر من الباراس

235 حادثة اعتداء تحصل سنوياً في ملاعب الأرجنتين وتنظيم «البارّاس برافاس» يتحمل المسؤولية عن أغلبها
برافاس بين مواقف السيارات والشوارع المحيطة بالملاعب لحراستها، حتى إن مسؤولين في الأندية الأرجنتينية يفتحون قنوات اتصال مباشرة مع أعضاء من التنظيم، مقابل مبالغ مالية وبطاقات دخول إلى الملاعب وذلك لمؤازرة فرقهم، حيث تنقل صحيفة « لا ناسيون» المحلية على سبيل المثال أن نادي بوكا جونيورز العريق دفع، في آذار الماضي، مبلغ 20 ألف بيزوس (5400 دولار) وقدّم 2000 بطاقة دخول لمشجعين في التنظيم لمؤازرته في إحدى المباريات. الأمر لا يتوقف عند هذا الحدّ، إذ إن بعض الأندية تستنجد بأعضاء من العصابة لرشوة لاعبين في الفرق المنافسة، مقابل مبالغ تصل إلى 20 ألف دولار.
باختصار، إنها «مافيا منظمة» هكذا تصف فابيانا روبيو، رئيسة جمعية التوعية «أفق جديد لأجل العالم»، كرة القدم الأرجنتينية، مضيفة بأن الباراس برافاس هي «جزء أساسي من هذا السلوك».

اسكوبار ضحية المافيا

لا يمكن الحديث عن المافيا في كرة القدم من دون استذكار أندريس اسكوبار.
«هذه المباراة حياة أو موت» قول مجازي لطالما يتردد في عالم كرة القدم، لكن اسكوبار جسّده فعلياً.
كان ذلك في صيف عام 1994، في الولايات المتحدة، في كأس العالم، في الدقيقة 33 من مباراة كولومبيا وأصحاب الأرض: كرة عرضية يحوّلها اسكوبار في شباك فريقه عن طريق الخطأ، تُخرج كولومبيا من المسابقة، بعدما رشحها «الجوهرة» البرازيلي بيليه آنذاك لنيل اللقب العالمي، بعد سحقها الأرجنتين في بيونس آيريس في التصفيات 5-0.
هدف في الشباك كان مقابله رصاصة في الصدر، أو بالأدقّ 12 رصاصة أزهقت حياة الشاب الذي «قضى» على الحلم الكولومبي. في اللحظة التي أدخل فيها اسكوبار الهدف صُدّق القرار: اقتلوه، هكذا أرادت عصابات المراهنات على مباريات كرة القدم أن تثأر لضياع أموالها. كانوا ثلاثة، توجهوا ناحية الشاب وأمطروه رصاصاً من كل الاتجاهات، قال أحدهم مستهزئاً وهو يطلق رصاصه: «غووووول» كما يصرخ معلّقو المباريات.
سقط الشاب عام 1994 صريعاً، وبكاه العالم، كل العالم، من عرفه ومن لم يعرفه.
إنه ثمن اللعب مع الكبار... والأرجنتينيون أكثر من يفهم أصول اللعبة!


المافيا دمّرت مارادونا قبلاً

«إيطاليا طردتني مثل المجرمين»، هكذا قال دييغو مارادونا عام 1991 عقب خروجه من تلك البلاد بعد إلقاء القبض عليه لثبوت تناوله المخدرات. مارادونا لم يكن لينطق بهذه الجملة طوال حياته لولا وقوعه في قبضة المافيا الإيطالية. قلبت المافيا حياة مارادونا رأساً على عقب، وليس مبالغاً فيه القول إنها دمرت «الأسطورة».