بعد الانتصارين المتتاليين الأخيرين للمكسيك على الولايات المتحدة، بقيادة ميغيل صباح ذي الأصول الفلسطينية، لم تعد مواجهة المنتخبين أمراً عابراً، وخصوصاً أن أميركا أصيبت في الصميم
حسن زين الدين
أن تقول الولايات المتحدة في كرة القدم، يعني أن تتبادر إلى الذهن مشاهد ملاعبها الواسعة في نيويورك أو هيوستن وغيرها، حيث سيختلط عليك المشهد في كل مرة بين تلك الخاصة بكرة القدم أو «الأميركان فوتبول» أو البيسبول، في تلك البلاد التي تحاول جاهدة كسب مكان لها على خريطة لعبة الفقراء. في المقابل، أن تقول المكسيك في كرة القدم، يعني أن تتذكر سريعاً مشهد ملعب «الأزتيك» عام 1986 في مكسيكو وقبعات «السومبريرو». هناك في هذه البقعة من العالم، كتب تاريخ مجيد في بطولة كأس العالم.
أن تقول الولايات المتحدة في كرة القدم، يعني أن يقطع أمامك طيف أليكسي لالاس، ذلك اللاعب ذو الشعر الأشقر المجدول، القادم من العلب الليلية حيث يمتهن عزف موسيقى الجاز... إلى عالم لعبة الفقراء!
في المقابل، أن تقول المكسيك في كرة القدم، يعني أن يمرّ في البال الحارس الطائر خورخي كامبوس وبلانكو وغيرهما ممن حققوا كأس القارات عام 1999 على حساب المنتخب الكبير، البرازيل. هؤلاء اللاعبون الذين انطلقوا إلى رحاب اللعبة من أزقّة مكسيكو أو غوادالاخارا الفقيرة.

انتصاران بطعم مختلف

ميغيل صباح هو أحد هؤلاء. لاعب قادم بقوة إلى الكرة المكسيكية. الاسم الأول إذاً هو ميغيل: لاتيني صرف، قد تكون والدته المكسيكية هي من أطلقته عليه. لكن اسم العائلة حمله أجداد هذا الشاب من خلف المحيطات وعبروا به إلى شتاتهم. صباح... ربما كان الأصل من يافا أو من حيفا، لا نعلم بالضبط. المهم أنه في الأصل من هناك، من البلاد المحتلة.
صباح، الذي لا يُخفي اعتزازه بأصوله الفلسطينية، كان قد تُوِّج هدافاً للكأس الذهبية الأخيرة لدول منطقة الكونكاكاف، وواصل تألقه ليسجل في المباراة الأخيرة للمكسيك في مرمى أميركا بعد أقل من شهرين من الدرس الكبير الذي لقنه المكسيكيون لمنتخب بلاد «العم سام» في الوقت الذي كانت فيه أميركا خارجة لتوها أمام العالم بثوب المنتصر، بشكل أو بآخر، في بطولة كأس القارات الأخيرة في جنوب أفريقيا، بعد فوزها على إسبانيا بطلة أوروبا في نصف النهائي، وإحراجها البرازيل في النهائي، لتأتي مباشرة أهداف المكسيكيين، الخمسة، في نهائي الكأس الذهبية قبل أقل من شهرين، وأين؟ في هيوستن، كي تصيب الأميركيين في الصميم.
صباح ورفاقه لم يكتفوا بذلك، وها هم الأسبوع الماضي يوجّهون ضربة أخرى لأميركا في مكسيكو بالفوز عليها 2ـ1، ضمن تصفيات كأس العالم 2010، ليشعلوا المنافسة من جديد في منطقة الكونكاكاف على البطاقات المؤهلة للمونديال الأفريقي.
انتصاران يحملان دون شك أبعاداً مهمة. هما انتصاران لمجموعة من اللاعبين الفقراء أمام ذويهم من اللاعبين أصحاب السيارات الفخمة والأرصدة في البنوك. هما انتصاران لأبناء شعب من الكادحين الذين توقفت أحلامهم عند ذلك الجدار العازل على الحدود مع أميركا، بلاد الأحلام المستحيلة. بالتأكيد، هما انتصاران على حلم أميركا بدورها بأن تصبح من القوى العظمة في هذه اللعبة، وليعيدا الأمور إلى نصابها في هذه البقعة الجغرافية من العالم، بأن الكلمة الأولى في أرض الملعب هي للمكسيك دائماً، رغم بعض الكبوات، هذا على الأقل ما جسّده صباح ورفاقه... وما يشهد به تاريخ لقاءات الجارين اللدودين.