في بلد محكوم بالديموقراطية التوافقية نظراً للتنوّع الطائفي والمذهبي على أرضه، لا بد أن تفرض «المحاصصة» نفسها على تفاصيله الإدارية والمعيشية، فالسعي الدائم إلى توسيع بيكار النفوذ لا يتوقف... ولو على حساب شركاء الوطن
إبراهيم وزنه
منذ نشأة لبنان الكبير عام 1926، والتطاحن السياسي على جنباته لم يهدأ، إذ طالما حمل في صفحاته عناوين لامعة جامعة، فيما الأهداف المضمرة كانت لا تخلو من حماية حقوق الطوائف عموماً والمذاهب خصوصاً، وإن أسقطنا العراك والحراك السياسيين على واقعنا الرياضي وتحديداً الإداري منه، فالقصة تطول وفصولها لا تقل إثارة أو تطاحناً عما تشهده ساحاتنا السياسية. فالاتحادات الرياضية، التي تدور في فلكها الشريحة الأهم في المجتمعات، أي الشباب، تحولت مع الوقت إلى قالب جبنة كبير على مائدة الطوائف. ولأن كل اتحاد بحاجة إلى دعم الأندية والجمعيات، عمل الكثيرون على توطيد مواقعهم الإدارية من خلال تشجيعهم على تفريخ جمعيات داعمة انتخابياً. ففي بعض اتحادات الألعاب الجماعية، هناك ما يزيد على 150 جمعية، فيما لا يشارك في نشاطاتها الرسمية سوى النصف في أحسن الأحوال. ومع الوقت تراجعت هيبة «المسح» الذي لوّحت به الوزارات الرياضية المتعاقبة منذ أكثر من عشر سنوات نتيجة هيمنة المحسوبيات والواسطات، وأحياناً من خلال التحايل على القوانين، وفي المحصلة المؤسفة نجح «اللاهثون» في تحصين مواقعهم «الاتحادية» وتجيير هذا النصر، ومن ثم تثبيته لطوائفهم مستقبلاً. وعلى هذا الطريق الوعر، سارت الرياضة اللبنانية بخطى مثقلة طائفياً ومذهبياً وسياسياً، ولا يزال المشهد يتكرر و«قالب» الرياضة أصبح من دون روح رياضية.

تقسيم طوائفي بامتياز

لا أحد ينكر أن التمسّك بالمواقع الإدارية الرياضية الخاصة ببعض الطوائف بات يحاكي في شكله ومضمونه التقسيمات والتوزيعات السياسية التي قام عليها لبنان منذ 83 سنة، ولم يزل حتى اللحظة يعيش على ارتداداتها، علماً بأنه مع بدء النهضة الرياضية وإنشاء الاتحادات كانت الأمور مقبولة إلى حد ما. فعلى سبيل المثال، تعاقب على رئاسة اللجنة الأولمبية منذ الاستقلال غبريال الجميل وحسين سجعان وخليل حلمي، واستأثر الأول بالرئاسة من عام 1953 إلى وفاته عام 1987. كذلك، إن اتحاد ألعاب القوى أداره مسلم عند نشأته في عام 1965(عبد الودود رمضان)، لكن رئاسته منذ عام 1996 آلت إلى مسيحي، هو عبد الله شهاب ولم تزل. أما بالنسبة إلى المديرية العامة للشباب والرياضة، فقد أنيطت رئاستها منذ عام 1964 بالشيعة (عصام حيدر 6 سنوات، فالعقيد غالب فحص 21 سنة)، وصولاً إلى زيد خيامي منذ عام 1994 إلى اليوم. وهذا الموقع عُدّ تعويضاً عن النقص الإداري الرياضي الحاصل عند هذه الطائفة.

الصراع الأولمبي وضوابطه

نظراً لأن معظم رؤساء الاتحادات هم من المسيحيين (18 اتحاداً من أصل 30) كان التوافق على أن يكون رئيس اللجنة الأولمبية مسيحياً (روم أرثوذكس منذ أكثر من 20 عاماً)، واليوم يدور حديث عن رغبة مارونية لوقف العمل بهذا العرف السائد، فيما تتألف اللجنة الأولمبية من 14 عضواً، 7 للمسلمين (4 سنة و3 شيعة) و7 للمسيحيين، واللافت تغييب العنصر الدرزي عن السبعة، علماً بأن الأمانة العامة شغلها مكرم علم الدين لثماني سنوات.

توليفات «سلّوية» لا بد منها

لا يخفى على متابع أنّ في كل هيئة إدارية اتحادية توليفة طوائفية ومناطقية يجب مراعاتها. ففي كرة السلة مثلاً، يتوزّع الأعضاء الـ 13 على المسيحيين (9) والمسلمين (4) 3 للسنّة وواحد للشيعة بعدما كانت مناصفة، ويجب الحفاظ على المشاركة الفاعلة لمنطقتي كسروان والمتن (6 أعضاء من أصل الـ 13) لأن أكثر من ثلثي الأندية موجود في هاتين المنطقتين. ففي ضيعة صغيرة «الغينة» هناك فريقان لكرة السلة لدواع ٍ انتخابية، والأمر ذاته ينسحب على «الطائرة» غير القادرة على الإقلاع من دون شد عصب الطوائف لأحزمتها. فاتحادها يضم 132 جمعية، وعدد أعضائه 15، موزعين على الطوائف والمذاهب والمناطق وفق نسب متفق عليها. والثابت عدم خروج موقع الرئاسة من منطقتي المتن الشمالي أو كسروان الفتوح، حيث 65 بالمئة من الأندية.

«القدم واليد»

بالانتقال إلى لعبتَي كرة القدم وكرة اليد، فالرئاسة منوطة بالطائفة الشيعية، نظراً لأن معظم أنديتها محسوبة عليها. والاتحادان يضمّان غالبية شيعية، ففي بلدة معركة الجنوبية يوجد 3 أندية كروية (النجمة والأمل والجمعية) لدواعٍ انتخابية أيضاً. ونلاحظ من خلال مراقبتنا لعملية تأليف الاتحادات الرياضية، أن هناك عدداً كبيراً من الإدارات الرياضية لا يضم بين جنباته أعضاء من كل الطوائف، فالأكثر حضوراً في هذا المجال هم المسيحيون، والموارنة أكثر من الروم، ثم المسلمون والسنّة أكثر من الشيعة، فالأرمن، فيما الحضور الدرزي لا يظهر جلياً إلا في اتحاد كرة القدم.

اتحادات وطوائف!

يبلغ عدد الاتحادات المعترف بها أولمبياً 30، رئاساتها موزّعة محلياً كالآتي : 18 للمسيحيين و12 للمسلمين، (8 موارنة و5 روم و3 كاثوليك و6 شيعة و6 سنّة)، والتي يرأسها مسيحيون هي: ألعاب القوى، الكرة الطائرة، كرة السلة، الفروسية، التزلج، الجودو، الرماية، الدراجات، السلاح، التايكواندو، التنس، كرة الطاولة، اليخوت، الرقص الرياضي، الووشو، الكاراتيه، القوس والنشاب والسباحة. أما الاتحادات التي يرأسها سنّة فهي: المصارعة، كمال الأجسام، الاسكواش، الشطرنج، الجمباز والتجذيف. واتحادات الشيعة هي: كرة القدم، كرة اليد، بادمنتون، الملاكمة، اتحاد المعوقين والكانوي كاياك.

آراء في الواقع المرير والإداري الرياضي جهاد سلامة (الصورة 2)، علّق واصفاً: «للأسف باتت الإدارة الرياضية أسيرة الطوائف والمذاهب ولن تتحرر إلا مع تقدّم مسيرة السلم الأهلي، ولا شك في أن هذا الأمر يضر بالرياضة والرياضيين على جميع المستويات، لأنّ من المفترض أن يحل الرجل المناسب في المكان المناسب، وكفى تمثّلاً بالسياسيين المختلفين دائماً على المواقع والإدارات والأرقام».

خلاصة الآراء

لما كانت الاتحادات الرياضية موزّعة طوائفياً ومذهبياً ومناطقياً، ونتيجة الصراع المستمر لقيادتها، دفع لبنان بكل أبنائه وأطيافه الثمن الباهظ جداً، حيث تراجع فنياً في معظم الألعاب الرياضية، الجماعية منها والفردية. وعلى أمل أن نعود إلى الواجهة، لا بد من أن نعود إلى رشدنا وتآلفنا، لذا نؤكّد ضرورة انطلاق ورشة الإصلاح الرياضي تحت عنوان وحيد، هو رفض كل الموروثات المثبّتة بإيعازات سياسية وطائفية غير مدركة للمعاني الرياضية... لأن أجيالنا الواعدة تستحق...


قريطم: الواقع ضد الطموحات