قسّم الاتحاد اللبناني لكرة القدم أندية الدرجة الثانية إلى مجموعتين «سياسيتين» وكأنه يحاكي التقسيم السياسي القائم في البلد، دون اللجوءإلى مبدأ القرعة، رغم أن القيّمين على الاتحاد يرفعون شعار إبعاد السياسة عن الرياضة
أحمد محيي الدين
قلّما خلت البرامج الرياضية الحوارية مع المهتمين بقطاع الشباب والرياضة من انتقادات قاسية لتداخل السياسة في الرياضة اللبنانية، وعلى كل المستويات، ما ينتج حالة مزرية في المدرجات واستياء الجماهير المتابعة التي كانت تحتشد في الملاعب.
... حتى طالعنا الاتحاد اللبناني لكرة القدم في تعميمه الرقم (21/2009) الصادر بتاريخ 26 أيار 2009، بتقسيم أندية بطولة الدرجة الثانية البالغ عددها 14 فريقاً إلى مجموعتين، تضم كل واحدة سبعة نوادٍ، مبرّراً «تقسيماته» الفاقعة سياسياً بحجة التخفيف من أعباء الأندية وما يتخلله الدوري الطويل من أجور عالية للملاعب والحكام وأكلاف تنقلاتهم. وفي نظرة على توزيع الأندية، يلاحظ أن كل مجموعة تضم نواديَ من نسيج سياسي واحد، ربما مراعاة للانقسام السياسي اللبناني الحاصل بين فريقي الموالاة والمعارضة أو ما يُعرف بـ8 و14 آذار.

المعارضة
الموالاة

المجموعة الثانية يطغى على قمصان أنديتها اللون الأزرق، أي تيار المستقبل، الذي يمثّل محور الموالاة، فهو يرعى أندية طرابلس الرياضي (عبر الرئيس الأسبق للحكومة نجيب ميقاتي) والمودة والاجتماعي الطرابلسيين، وهما ناديان يُموّلان من جهات مقربة من تيار المستقبل، ونادي هومنمن العريق وهو تابع لحزب الهنشاك الأرمني أحد أجنحة 14 آذار، ونادي الإخاء الأهلي عاليه المموّل من الحزب التقدمي الاشتراكي ومن النائب أكرم شهيب مباشرة (كان أحد لاعبيه سابقاً)، ونادي ناصر بر الياس وهو تابع للمستقبل، إضافة إلى نادي النهضة بر الياس المتنوع التمثيل والحائر في الانتماء بين الحزب السوري القومي الاجتماعي وأشخاص عديدين مقربين من المستقبل أيضاً.
طبعاً مع هذا التوزيع السياسي للأندية، تسقط حجة الاتحاد الذي يدّعي حرصه التوفير عن كواهل الأندية، فنرى أن نوادي جنوبية ستضطر للعب في الشمال، وعلى العكس يرتب ذلك ثمن نقليات كبيرة، وقد تضطر هذه الأندية إلى سلوك طرق طويلة تمر ضمن مناطق متنوعة سياسياً، وكذلك الحال بالنسبة للأندية الشمالية التي ستلعب في البقاع والجبل.

تدهور الفنيات

بعيداً من النواحي السياسية، وبالانتقال إلى الأمور الفنية، فإن هذا النظام الرديء المعمول به منذ ما بعد حرب تموز 2006 يؤدي إلى دوري قصير لبطولة الدرجة الثانية التي هي الرافد الأساسي لأندية الدرجة الأولى باللاعبين، والتي تحوي مدارس كثيرة نظراً لتوزعها على مناطق عدة، وبالتالي فإن قصر الدوري يؤدي إلى الرتابة حيث إن اللاعب يلعب بين 4 و6 أشهر، فيما يرتاح من 6 إلى 8 أشهر، ما يؤدي إلى ابتعاد عدد كبير من اللاعبين عن الملاعب لكون اللاعب يفضل أن يعطي الاولوية لعمله قبل غيره، بما أن كرة القدم لا تنفعه مادياً. ينأى رئيس لجنة المسابقات وعضو اللجنة العليا للاتحاد ريمون سمعان بنفسه عن أي طرف سياسي قائلاً «أنا لست مسيّساً»، مشيراً إلى أن هذا النظام المعمول به بات عمره ثلاثة مواسم، بيد أن هذا التقسيم يهدف أولاً وأخيراً إلى إبعاد المشاحنات و«الحزازات» السياسية والطائفية عن بطولة الدرجة الثانية، وكذلك عن الدرجتين الثالثة والرابعة، مضيفاً: «نحاول أن نخفف التأثير السياسي على اللعبة، ولا أعتقد أن للسياسة دوراً كبيراً عبر هذا النظام، إذ إننا بعد انقضاء مرحلتي البطولة نعود ونجمع الفرق المرشحة للصعود إلى الدرجة الأولى والمهددة بالهبوط إلى الدرجة الثانية ضمن دورتي تصفية خاصتين».
وأشار سمعان إلى أن الاتحاد على أبواب انتخابات جديدة في الأسابيع القليلة المقبلة، ولذلك يتحتم على اللجنة العليا الحالية وضع برامج البطولات وأنظمتها للموسم المقبل، وقد يعمد الاتحاد الجديد إلى تغيير النظام وتعديله بما يتلاءم وخططه في إدارة اللعبة مستقبلياً.

آراء أصحاب الشأن

وكان لا بد أيضاً من الوقوف على آراء الأندية المعنية، فرأى رئيس نادي السلام زغرتا الأب أسطفان فرنجية أنه يجب محاربة التدخل السياسي في الشأن الرياضي، مضيفاً: «نحن ضد التوزيع السياسي للأندية لأن الرياضة رسالة تهدف إلى جمع الناس لا إلى تفرقتهم، وهذا التقسيم المعمول به ليس تربوياً ولا أخلاقياً، والشخص الذي يتابع الرياضة لا يود حشر نفسه في السياسة البغيضة، كما أن كرة القدم في لبنان اليوم باتت مضيعة للوقت، وتدخّل المرجعيات يبعد المنافسة الشريفة عن المسابقات». ورفض الأب فرنجية تصنيف ناديه قائلاً: «نحن لا نصنف أنفسنا مع أحد ولا نسمح بتصنيفنا مع أحد». بدوره استغرب رئيس نادي هومنمن ميساك نجاريان «استعجال» الاتحاد في هذه الخطوة واعتبر التقسيم سياسياً 100% بحجة العمل على مراعاة الانقسام السياسي في البلد، ثم أردف: «نستغرب هذا التقسيم الذي يسبق انتخابات الاتحاد الذي لم يلاحظ الأجواء التفاؤلية السياسية في البلد، وعلينا كرياضيين أن نتقارب، وهذا التقسيم سيضعف اللعبة فنياً أكثر مما هي عليه اليوم، وعلى الاتحاد الجديد إعادة النظر في هذا التقسيم ومواكبة الأجواء التفاؤلية السياسية التي أعقبت الانتخابات النيابية».
من جهته اعتبر أمين سر نادي النهضة بر الياس محمود سيف الدين أن البلد يسير باتجاه التسويات السياسية ويجب أن تكون الرياضة منفصلة عن السياسة أساساً، وهذا التقسيم لا شك في أنه يضر بمصلحة اللعبة لا بل يدفنها فنياً، حيث يتوقف النشاط لمدة طويلة، وإذا كان الاتحاد حريصاً على صناديق الأندية فليلغِ أجور الحكام والملاعب». وختم سيف الدين حديثه: «حسابات الاتحاد غير متطابقة مع الواقع».
أما رئيس نادي الأهلي النبطية محمد الصبّاح فرفض هذا التقسيم رفضاً قاطعاً رغم الخط السياسي الذي يمثله وقال: «نحن لبنانيون ونبغض الطائفية والمناطقية والمذهبية في شتى المجالات فكيف في الرياضة؟»، وتابع: «هذا التقسيم مرفوض، وهو ساهم ويساهم في تشويه كرة القدم، ومع الوقت حوّل اللعبة إلى «كانتونات» وفيدراليات كروية تتجه باللعبة إلى الهاوية»، ودعا إلى إعادة النظر بهذا القرار والعمل على تغذية صناديق أندية الدرجات كلها لا الأولى فقط.
قد لا يتدخل السياسيون في الرياضة إلا عندما يذهب المسؤولون الرياضيون ليقدموا الطاعة ويفتحوا لهم المجال للتدخل بشؤونها، ولطالما تجلى ذلك في انتخابات الاتحادات التي تحاكي في حركتها وتصنيفاتها الانتخابات السياسية كثيراً.


المرصد■ في ظل تحرك عدد من الأندية الكروية لتدعيم صفوفها، تدور اتصالات هادئة بين اللاعب الأكثر انتقالاً بين الفرق اللبنانية (محمد قصاص) ونائب رئيس أحد الأندية، وذلك بهدف تسهيل عملية انتقال اللاعب إلى فريق الإداري المفاوض.