شربل كريّمتحتار غالباً من تختار أفضل لاعب في مباريات برشلونة، ذلك أن الجميع يتألق تألّقاً غير طبيعي هذا الموسم. وقد بدا هذا الأمر جليّاً في الموقعة الأخيرة أمام الغريم الأزلي ريال مدريد، إذ إن جيرارد بيكيه والعاجي يايا توريه بذلا مجهوداً خارقاً، والفرنسي تييري هنري والأرجنتيني ليونيل ميسي تكفلا التهديف، كما أن شافي هرنانديز كان حاسماً بتمريراته القاتلة. لكن رغم كل ذلك كان إينييستا واحداً من رجال المباراة كما جرت العادة هذا الموسم، حيث ظهر هذا اللاعب الموهوب منافساً قوياً لزملائه على النجومية، ليكمل بالتالي مسلسل المستوى الرفيع الذي كان أحد أسباب فوز إسبانيا بكأس أوروبا 2008.
صحيح أن الكاميروني سامويل إيتو وميسي وهنري، حصدوا غالبية أهداف «البرسا» هذا الموسم، لكن وراء أهدافهم كان إينييستا موجوداً بطريقةٍ مباشرة أو غير مباشرة. لذا لم يكن مستغرباً أن يخرج إيتو بعد الفوز على إشبيلية (4-0) واصفاً إينييستا بأنه أفضل لاعب في العالم، فيومذاك صنع صاحب الوجه الشاحب الاستعراض مسجلاً هدفاً صاعقاً ثم كان وراء كل الأهداف الأخرى!
فعلاً يبدو إينييستا حالياً كأنه ميسي لكن بالقدم اليمنى، وهو يترجم الآمال التي وُضعت عليه عندما كان لاعباً صغيراً، حيث رأى كثيرون فيه صورة المدرب الحالي جوسيب غوارديولا الذي يعدّ أحد أفضل لاعبي الوسط في تاريخ برشلونة، كما أنه تحوّل النصف الآخر لشافي الذي يملك أسلوب اللعب عينه، فتمكّن والأخير وبحماية توريه من تحطيم كل لاعبي منتصف الميدان الذين يواجهونهم (حتى لو كانوا يتفوّقون عليهم بدنياً)، وهذا ما لمسناه في «إل كلاسيكو»، حيث «تجمّد» كل من الأرجنتيني فرناندو غاغو والفرنسي لاسانا ديارا من دون أن يتمكّنا من مجاراة الثنائي الكاتالوني حتى ولو لدقائق قليلة.

هادئ يحدث ضجيجاً

بالتأكيد جاء تألق إينييستا ليوفّر على برشلونة تكبّد أموال طائلة لاستقدام لاعبٍ نادر في خط الوسط، وهو كان قد استغنى عن فكرة التعاقد مع الإنكليزي فرانك لامبارد وصبر ليبلغ إينييستا أقصى مراحل النضوج. كما حسبها القيّمون على «البرسا» جيداً هذه المرة عندما أمّنوا حماية اللاعب بعد محاولات خطفه من «حضانة» الفريق، وكان في مقدمة المهتمين الفرنسي أرسين فينغر مدرب أرسنال الإنكليزي، الذي فشل في تكرار تلك الخطة التي حملت سيسك فابريغاس من كاتالونيا إلى لندن، وهي خطوة لا تزال تثير امتعاض برشلونة حتى الآن.
وتبدو شخصية «الساحر الصغير» إينييستا مناقضة لأبرز لاعبي مركزه في العالم، فهو لا يشاكس «بوساخة» ضد الخصوم، بل يتحلّى بالهدوء دائماً، ويحدث الضجيج بهدف صارخ أو تمريرة حاسمة تذبح دفاع الخصم.
لقد ظنّ الجميع في بداية الموسم أنه في تشكيلة تعجّ بلاعبي الوسط (هناك المالي سيدو كيتا وسيرجيو بوسكتس والإيسلندي إيدور غوديونسون أيضاً)، لن تكون إصابة إينييستا أبداً خسارة كبيرة لفريق غوارديولا، الذي فكّر بدوره بادئ الامر في أنه لا يستطيع أن يدمج شافي وإينييستا معاً في الوسط، وخصوصاً في مواجهة تلك الفرق التي تدفع بالعمالقة الأقوياء بدنياً في هذا الخط. لكن سرعان ما أثبت إينييستا الخلّاق بأنه مختلف عن كل لاعبي مركزه في تشكيلة غوارديولا ويصعب استبداله بأي لاعبٍ آخر.
ربما من مصلحة إينييستا أن يكون مظلوماً إعلامياً في ظل تركيز وسائل الإعلام على النجوم الآخرين في «الليغا» الإسبانية، وهو أصلاً لا يبدو مهتماً بهذا الموضوع، إذ بكل بساطة ما فعله حتى الآن يثبت أن كل ما يريده هو الاستمتاع بكرة القدم.