شربل كريّملطالما حُكي عن سياساتٍ معيّنة تُتّبع في الفورمولا 1، وقد أشار خبراء في وقتٍ سابق إلى أنه يجري التلاعب أحياناً بقوة السيارات بحسب ما تقتضيه الحاجة، من أجل «المصلحة العامة» التي تترجم هنا بالحفاظ على الإثارة، وبالتالي جذب أكبر عددٍ من المهتمين برياضة الفئة الأولى.
إلا أن هذه النظريات بقيت من دون إثبات ملموس، وإن كان فيها شيء من المنطق لناحية اعتبار أن من مصلحة الجميع منح الأفضلية لبعض السائقين على غيرهم أحياناً والإبقاء على إثارة المنافسة، وهي إحدى العناصر الأساسية التي تسهم في نجاح الفورمولا 1.
أما النقطة الأهم برأيي التي يفترض التحدث فيها في هذه الفترة، فهي مسألة الدور الفعلي الذي يؤديه السائق في الانتصارات. فقد جاء فوز جنسون باتون، أمس، ليطرح علامة استفهام كبيرة بشأن مَن يصنع مَن: هل هي السيارة التي تصنع بطلاً أم هو السائق الذي يرفع نفسه إلى أعلى درجة على منصة التتويج ويضع فريقه في مستوى الكبار؟
لا شك في أن الإجابة عن سؤالٍ مماثل تبدو صعبة في ظل ابتعادنا عما يدور في كواليس حظائر الفرق، أو مكاتب القيّمين على بطولة العالم. لكن نتيجة جائزة أوستراليا جاءت لتنصف نسبياً أولئك الذين يعيدون الفضل إلى السيارة في منح سائقها الأفضلية على غيره.
ورغم أنه لا يمكن إنكار أن الفورمولا 1 عرفت سائقين توّجوا أنفسهم بفضل مواهبهم، أمثال «الأسطورة» الألماني ميكايل شوماخر الذي صعُب على أيٍّ كان مجاراة مهاراته على الحلبات الرطبة مثلاً، فإن هذه الرياضة أكدت، في الموسمين الأخيرين على الأقل وصولاً إلى سباق أمس، أن تأثير العنصر البشري عليها يكمن في المهندسين التقنيين الذين يرجّحون كفّة سائقهم على الآخرين بفعل براعتهم في تجهيز سيارته.
إذاً يبدو أن نسبة مساهمة السائق في الانتصارات المحقّقة هي أقل من تلك التي يحصل عليها مهندسو فريقه، وباتون هو المثال الأبرز على هذا الموضوع. فهذا السائق الذي عند دخوله عالم الفورمولا 1 وصفته صحافة بلاده بأنه «أعجوبة»، والوحيد القادر على إعادة اللقب إلى الجزيرة البريطانية منذ أن فاز به البطل دايمون هيل، سرعان ما سقطت الهالة عنه وحصد الخيبات المتكررة، محقّقاً فوزاً وحيداً في المجر عام 2006. أضف إلى ذلك أن أحد أبرز أسباب قرار فريق هوندا بالانسحاب من بطولة العالم، كان بسبب النتائج المتواضعة لباتون!
والصحافة البريطانية نفسها تجاهلت باتون في الموسمين الأخيرين بعد بروز مواطنه لويس هاميلتون سائق ماكلارين مرسيدس، فكان ردّ الأول: «أعطوني سيارته ثم عودوا لمحاسبتي على النتائج التي سأحققها».
تصريح باتون وفوزه، أمس، يعيداننا إلى معادلة أنّ السيارة هي التي تؤدي الدور الأساس في فوز السائق، وبدا هذا الأمر جليّاً في أوستراليا حيث سيطر البريطاني على التجارب الرسمية والسباق، إذ كان يكفيه الحفاظ على سيارته ضمن حدود الحلبة والوصول بها إلى خط النهاية ليحتل العناوين العريضة للصحف في اليوم التالي.
أعتقد أن هاميلتون أصبح يعرف الآن حجم الخدمة الثمينة التي قدّمها إليه رون دينيس بمنحه سيارة فائقة القوة توّجته بطلاً للعالم، وسيتوقف والد الأول بالتأكيد عن الاستعراض الكلامي وشرح ما سمّاه الموهبة الخارقة التي يتمتع بها نجله. والأهم أنه في عصر التقنيات سيتوقف الجميع عن مقارنة هاميلتون بشوماخر.