ماذا تفعل الصحف والمواقع الرياضية الأوروبية عندما تكون الأحداث الساخنة غائبة عن الساحة مثل وقف مسابقة دوري أبطال أوروبا حالياً بسبب العطلة الشتوية، وعندما لا يكون موسم الانتقالات مشتعلاً، كما هو حاصل الآن في نسخته الشتوية لعام 2015، وعندما تكون الأمور هادئة في البطولات الكبرى؟ ماذا تكتب الصحف في هذه الحال عندما تضرب موجة الجفاف الأقلام، فلا تعود الأنامل تبدع في إنتاج ما يجذب القراء؟ المسألة سهلة، لا بل شديدة السهولة هنا، إذ إن «المطبخ» جاهز لطبخات ذات نكهات «شهية» تزيد المبيعات الورقية والنقرات الإلكترونية.
المعادلة واضحة هنا: لا «مادة دسمة»، إذاً فلنصنع بأيدينا هذه المادة التي تتمحور حول العلاقات بين النجوم والمدربين في الفريق الواحد، وتحديداً تلك التي تعجّ بـ»الرؤوس الكبيرة»، فتروح الصحف، وبينها الشهيرة، تحوك قصصاً وأحداثاً حول خلافات ومناكفات بين هذا اللاعب وزميله وبين ذاك المدرب ونجم فريقه، وصولاً إلى خلاصات واستنتاجات وتنبؤات. أما مادة «الشغل» هنا، فغير ذات كلفة، وهي تصريح من هنا، أو تعابير وجه من هناك.
هذا ما حصل بالفعل في الأيام الأخيرة في أكثر من مكان في ملاعب أوروبا.
قصص وهمية تنسجها الصحف عن خلافات بين النجوم
في الفريق ذاته



في فرنسا مثلاً، احتل نجما باريس سان جيرمان، السويدي زلاتان إبراهيموفيتش والأوروغواياني إيدينسون كافاني، العناوين طوال الأيام القليلة الماضية بالحديث عن وجود خلاف حاد بينهما وأن الأول لم يعد يطيق وجود الثاني في الفريق، وأن أحدهما سيخرج منه حتماً في الصيف المقبل. اللافت أن صحيفة «ليكيب» الشهيرة والرزينة في البلاد خرجت بعنوان بشأن هذه المسألة، مفندة أسباب الخلاف بينهما، وهي تعود لتصريح أدلى به كافاني في إحدى المرات بأنه يفضّل اللعب في مركز «إيبرا» في قلب الهجوم وليس على الطرف، وبأن السويدي - بما يمثل من موقع في سان جيرمان - لم يرقه تصرف زميله بغيابه عن الرحلة الأخيرة إلى مراكش المغربية للبقاء إلى جانب أسرته.
وانطلاقاً من هذه «المعطيات» راحت صحف ومواقع فرنسية أخرى تحلل وتناقش وتتنبأ وجهة كافاني في الصيف كاستبداله بالكولومبي راداميل فالكاو من مانشستر يونايتد الإنكليزي، أو بالفرنسي كريم بنزيما من ريال مدريد الإسباني.
غير أن الحقيقة تكشّفت أول من أمس، حين خرج كافاني بعد فوز فريقه على بوردو في كأس الرابطة الفرنسية، مكذباً كل ما أثير، بقوله للصحافيين: «لا يوجد مشاكل بيننا. كل ما قيل هو سيرك إعلامي قامت به الصحف الفرنسية»، مشدداً على الاحترام المتبادل بينهما ومشيداً بإبراهيموفيتش «الذي كتب التاريخ والذي لديّ الكثير لأتعلمه منه»، حسب قوله.
في حقيقة الأمر، من سمع كلمات كافاني لا شك أصيب بالدهشة لما قرأه في الصحف الفرنسية قبل أيام، لا بل حتى قبل ساعات من تصريحه، غير أن المتابع لها وللصحف الأوروبية عموماً لا تفاجئه هذه «الاختراعات» الإعلامية، وباتت مصادفته لها أمراً اعتيادياً وروتينياً لكثرتها.
فقبل أيام قليلة من «كذبة» كافاني - إبراهيموفيتش، عاش المتابعون مع «قضية» صنعتها الصحف الإسبانية، وتالياً الأوروبية، انطلاقاً من ردّ الفعل العصبي للنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو على زميله في ريال مدريد، الويلزي غاريث بايل، بعد أن رفض الأخير تمرير الكرة للأول في فرصة سانحة للتسجيل له خلال المباراة أمام إسبانيول، لتبدأ التحليلات والاستنتاجات التي لم تنته عن خلاف حاد بين النجمين، علماً بأن «الدون» معروف دوماً بردود فعله المشابهة عندما لا تمرَّر له الكرات ولا يسجل، لكن أن يكون ردّ فعله هذا تجاه «المليوني» بايل تحديداً وما حكي عند قدومه إلى مدريد عن وجود غيرة بين النجمين، فإن هذا يصبح بالتأكيد مدعاة لأن يذهب الخيال بعيداً في رسم صورة لخلاف عميق بينهما.
على أي الأحوال، إن كل ما حكي عن هذا الخلاف أيضاً تبيّن أنه «كلام في هواء» ولا صحة له على الإطلاق، وهذا ما أكده «الدون» نفسه عقب حفل منحه الكرة الذهبية عندما أشاد بزميله، وأن لا مشاكل على الإطلاق بينهما، وما كرر تأكيده أيضاً مدربهما الإيطالي كارلو أنشيلوتي.
وإذا كانت حكايتا رونالدو - بايل وكافاني - إبراهيموفيتش قد وصلتا إلى خاتمتيهما، فإن سيناريو وهمياً جديداً يبدو أن الإعداد بدأ له تحديداً في الصحف الإنكليزية حول ما قد تصل إليه العلاقة بين النجمين الإسباني سانتي كازورلا والألماني مسعود أوزيل في أرسنال، وذلك بعد مشاركة الأول في مركز الأخير كصانع ألعاب وتألقه فيه أثناء غيابه للإصابة، وعودة الثاني، حيث تكثر يوماً إثر يوم التحليلات هناك حول تأزم العلاقة بينهما، وذلك بعد أن كان العنوان في صحف إنكلترا «الخلاف العميق» في تشلسي بين المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو ونجم الفريق البلجيكي إيدين هازارد، ليتبين لاحقاً أن علاقتهما «أحلى من العسل».
لا وقت ضائعاً وبلا فائدة إذاً لدى العديد من الصحف الرياضية الأوروبية التي تُتقن، في أحيان كثيرة، بثّ روح الكراهية وتزكية الخلافات والعداوات في أوساط الكرة انطلاقاً من مجرد تصريح من هنا أو تعبير من هناك، وذلك من أجل الخروج بعناوين جاذبة ومربحة. ولاحقاً، إذا تأكد خلافها وعدم صحتها، فمن السهل جداً في هذه الحالة طيّ الصفحة والانتقال إلى عناوين أخرى، إذ إن الشعار واضح هنا: لا ضريبة على التكهّنات والتخيّلات والتأويلات والاستنتاجات، فالثمن فقط مجرد ورق يُتلف، وحبر يصرف.