لم يركّز ريال مدريد بطل اسبانيا واوروبا والعالم منذ مطلع الالفية الجديدة على تخريج اللاعبين من اكاديميته وتقديمهم الى الفريق الاول، اذ مرّ زمنٌ طويل على خروج نجمٍ كبير من «لا فابريكا» (اسم اكاديمية الريال وتعني المَصنع بالاسبانية)، على شاكلة راوول غونزاليس وغوتي هرنانديز.
وحتى ان اللاعبين الذين تدرجوا في الفئات العمرية لم يحصلوا على ثقة المدربين المتعاقبين على تدريب الريال، اذ اراد هؤلاء المدربين جلب الافضل اي اللاعبين الذين يمكنهم قطف النجاحات السريعة لهم، وذلك من دون اضاعة الوقت في تنمية قدرات لاعبين شبان او اعطائهم فرصتهم في الفريق الاول. وهذا الامر تجلى في فترة سابقة عبر اعارة داني كارباخال الى باير ليفركوزن الالماني ثم استعادته بعد بروزه بشكلٍ كبير في «البوندسليغا»، واخيراً عبر تكرار الامر عينه مع المتألقين مع فياريال وبورتو البرتغالي توالياً، الروسي دينيس تشيريتشيف والبرازيلي كاسيميرو.
كذلك، فإن هذا التفكير لدى المدربين تلاقى مع الافكار التسويقية الادارية التي ركّزت دائماً على العائدات المالية، فلم تمانع الادارة في دفع مبالغ كبيرة لاستقدام اكبر النجوم، فغاب ريال مدريد عن تقديم ما «صُنع في لا فابريكا».
لكن الحال تغيّرت في الفترة الاخيرة، اذ غالباً ما اشارت الصحافة المدريدية الى تفوّق برشلونة في مجال تصنيع اللاعبين وتقديمهم الى الفريق الاول عبر اكاديمية «لا ماسيا» الشهيرة، وكان اشهرهم طبعاً النجم الارجنتيني ليونيل ميسي.
غاب الريال عن تخريج اسماء كبيرة من «لا فابريكا» على شاكلة راوول وغوتي

وهذه المسألة خلقت عقدةً لدى القيّمين على الريال، فشرع الجميع في البحث عن «ميسي أبيض» يكون فخر «لا فابريكا»، وبالتالي الفريق الاول.
وبما انه كان من الصعب على المدريديين ايجاد احدهم من داخل البيت اي موهبة اسبانية ضخمة تسير على خطى ميسي وتكون مفخرة ريال مدريد، فإن التوجّه كان نحو الخارج اخيراً، اذ قبل النروجي مارتن اوديغارد (16 سنة) الذي احدث انتقاله الى «الميرينغيز» عاصفة اعلامية كبيرة، حطّ في العاصمة الاسبانية اهم موهبة في اكاديمية اياكس امستردام الهولندي مينك بيترز (16 سنة)، الملقّب اصلاً بـ «غوتي الهولندي».
توجّه ريال مدريد هذا ترافق مع بدء العمل على تكديس اللاعبين الشبان المميزين، الذين تريدهم الفرق المنافسة المباشرة للريال في «الليغا». وفي هذا الاطار كان انتقال ماركو أسونسيو (19 سنة) نجم فريق مايوركا الذي اراده برشلونة بقوة، لكن الريال اشتراه ليقطع الطريق فقط على خصمه اللدود ويمنعه من اضافة موهبة جديدة الى صفوفه، فكان القرار بإعارة أسونسيو الى ناديه الحالي حتى استدعائه مجدداً من قبل المدرب الايطالي كارلو أنشيلوتي الى الفريق الاول.
ومع هذا، بدأ الرهان على اوديغارد، ولو ان لريال مدريد طريقة مغايرة في تقديم ما لديه بعكس برشلونة، الذي يعمل في هذا المجال من دون ضجة اعلامية كبيرة ويقدّم ما لديه من مواهب عبر لغة الكرة على ارض الملعب على غرار ما فعل مع منير الحدادي اخيراً. لكن الريال «ملكي» في نهاية المطاف، وما حبّ الظهور الا للملوك وامرائهم. وهذه النقطة كانت حاضرة في تقديم اوديغارد الى وسائل الاعلام اول من امس حيث تمت معاملته على طريقة النجوم الكبار الذين سبقوه لارتداء القميص الابيض. كذلك، يبدو انه كان هناك تعمّد في اظهار هذا اللاعب على انه الشيء الكبير القادم، فانتظر الصحافيون اكثر من ساعة ليطل عليهم، حيث بدا وكأنه دُرّب على اعتياد اضواء الكاميرات والاسئلة الكثيرة التي انهمرت عليه.
بطبيعة الحال، قد يكون الريال وجدها، اي وجد الجوهرة التي يبحث عنها، اذ ان كل الاجواء مهيئة لأوديغارد لمحو ذاك الكابوس الذي طارد القيّمين على النادي منذ حوالى العشر سنوات. قد يكون هو «ميسي الابيض». لم لا؟ فهو سيتدرّب يومياً مع افضل لاعب في العالم البرتغالي كريستيانو رونالدو ومع اغلى اللاعبين الويلزي غاريث بايل ومع اكثرهم ذكاء اي الالماني طوني كروس. وعندما يحين موعد المباريات سيلعب مع الفريق الرديف، الذي يشرف عليه «العبقري» الفرنسي زين الدين زيدان. وفي هذه النقطة المزيد من الامتيازات ايضاً على اعتبار ان النروجي اليافع يلعب في مركز الوسط المهاجم الذي شغله «زيزو» سابقاً في مسيرته لاعباً.
سيكون هناك الكثير من الكلام عن اوديغارد. ستنقل وسائل الاعلام اول هدفٍ يسجله بالقميص الابيض، وستنقل صوراً عن اول مشاركة له مع الفريق الاول في النادي الملكي... ولكن، كل هذا لا يعني فلورنتينو بيريز وادارته، فهم يراهنون على بروزه نجماً خارجاً من مصنعهم لكي يظهروا امام الرأي العام بأنهم يفقهون في الكرة تماماً كبراعتهم في «البيزنس» الذي جعل الريال الاكثر حصداً للارباح في العالم.