لا يمكن وصف سنة 2008 بأقل من عبارة أنها كانت رياضية بامتياز، وسط الأحداث العالمية التي احتضنتها القارات المختلفة وجذبت إليها حتى السياسيين الذين لم يتخلّفوا عن قطع المسافات الطويلة من أجل متابعة عن كثب النجوم المختلفي الجنسية
شربل كريّم
الحدث الأكبر في 2008 كان من دون شك دورة الألعاب الأولمبية التي استضافتها العاصمة الصينية بكين في آب الماضي، وأدهشت العالم أجمع بدءاً من الناحية التنظيمية ووصولاً إلى اللائحة النهائية للميداليات التي تربّعت عليها «بلاد المليار» عن جدارة. فعلاً كان أولمبياد بكين صدمةً لا مثيل لها لكل الذين شكّكوا في قدرة هذا البلد الآسيوي على استضافة أبرز حدث رياضي على الكرة الأرضية. ولشدّة روعة التنظيم منذ قصّ شريط الافتتاح وحتى حفل الختام المدهش، اعترفت لندن التي ستستضيف الألعاب المقبلة سنة 2012 بأنها لن تكون قادرة على تقديم جزءٍ ممّا قدّمته الصين، وخصوصاً أن الأخيرة جمعت شعبها وحكومتها وأموالها حول الملاعب التي احتضنت الحدث، فكانت النتيجة نجاحاً تنظيمياً باهراً، والأهم فنياً بعدما حقّق الصينيون الهدف الأسمى بالنسبة إليهم، ألا وهو إسقاط الولايات المتحدة عن عرش لائحة الميداليات.
وبعيداً من التفوّق الصيني، يصعب الاختيار من كان النجم الحقيقي لأولمبياد بكين، وخصوصاً أن الإنجازات المحققة والأرقام القياسية التي سقطت، أكدتا أن الرياضيين أصبحوا يؤمنون بأن لا شيء مستحيلاً، وأظهروا قدرتهم على مجاراة عصر السرعة والتطور.
إلا أنه رغم كل شيء لا يمكن إسقاط الإنجازين الأسطوريين للسباح الأميركي مايكل فيلبس (صورة 1) الذي خرج مزيّناً عنقه بثماني ميداليات ذهبية، والعداء الجامايكي اوساين بولت الذي صعق الجميع بتحطيمه الرقمين القياسيين في سباقي 100 و200 م، إضافةً إلى 4 مرات 100 م مع منتخب بلاده.
فعلاً بدا فيلبس من كوكبٍ آخر في أحواض بكين، وليس مبالغة إطلاق لقب «المركب السريع» عليه، هو الذي أغرق الأرقام القياسية وحفر اسمه بالذهب في السجل الأولمبي والعالمي.
أما بولت، فكان متفوّقاً بنظر النقاد على جميع نجوم السنة، والسبب بسيط وهو أن الرجل رسم لنفسه صورةً لا يمكن محوها من الذاكرة، إذ استعرض في انتصاريه الفرديين العظيمين بطريقة جعلت منافسيه يتمنّون لو أنهم لم يقفوا إلى جانبه على المضمار، لكن ربما لا يعرف هؤلاء أنهم قد يتغنّون لاحقاً بأنهم حاولوا مجاراة الجامايكي الذي يتوقع كثيرون أن يتحوّل إلى أعظم عدّاء في تاريخ المسافات القصيرة.

نهضة إسبانيا وسطوة مانشستر

كانت سويسرا والنمسا محور الكرة في «القارة العجوز»، ونفضت إسبانيا عنها صفة الخاسر الأكبر وتوّجت بكأس أوروبا للمرّة الثانية في تاريخها بعدما أضاعت الطريق إلى منصات التتويج العالمية منذ لقبها الأول عام 1964.
وإذ حجب تألق الأندية الأضواء عن المنتخب الإسباني لفترةٍ طويلة، في ظل تألق اللاعبين مع فرقهم دونها مع بلادهم، فإن الصورة تبدّلت هذه المرّة، فبعد موسمٍ سيّئ لريال مدريد وبرشلونة وغيرهما على صعيد المسابقات الأوروبية، أراد اللاعبون الإسبان التعويض في أهم بطولة كروية بعد كأس العالم.
النقطة اللافتة في الانتصار الإسباني الكبير هي حنكة المدرب العجوز لويس أراغونيس في جمع «شتات» المنتخب وإدراك طريق الخروج بفوزٍ في كل مباراة، وخصوصاً في اللقاء النهائي ضد ألمانيا التي رغم خسارتها أكدت قوتها، وقد قدّمت في كأس أوروبا أكثر مما تملك.
أما على صعيد الأندية، فقد كانت سنة مانشستر يونايتد الإنكليزي محقّقاً ثلاثة ألقاب كبرى، الدوري الإنكليزي الممتاز ودوري أبطال أوروبا وكأس العالم للأندية، لتتنفّس الكرة الإنكليزية الصعداء بعد الغياب القسري عن كأس أوروبا إثر الفشل الذريع لمنتخبها الساعي إلى النهوض مجدّداً بقيادة المدرب الإيطالي المحنّك فابيو كابيللو.
ثلاثية مانشستر يونايتد توازي ما سطّره «الشياطين الحمر» عام 1999، وكل ذلك بفضل النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي قدّم أفضل موسمٍ له على الإطلاق حاصداً كل الجوائز الفردية ومنصّباً نفسه أفضل لاعب في العالم من دون منازع، وهو يقف الآن أمام تحديات عدة بدءاً من إسقاط صورة العجرفة والبعد عن الروح الرياضية التي تحيط به، وصولاً إلى إثبات علوّ كعبه في المناسبات الكبرى، وخصوصاً عندما يدافع عن ألوان البرتغال.

تعويض هاميلتون و«أسطورة» لوب

كان طعم جائزة البرازيل الكبرى، المرحلة الأخيرة من بطولة العالم لسباقات سيارات الفورمولا 1، مختلفاً هذه السنة بالنسبة إلى سائق ماكلارين مرسيدس البريطاني لويس هاميلتون، إذ بعد تفريطه هناك في 2007 باللقب العالمي، وجد نفسه في 2008 محمولاً على الأكتاف إثر سيناريو غير مسبوق، حيث تخطى الألماني تيمو غلوك في اللفة الأخيرة ليضمن الانتصار على حساب سائق فيراري البرازيلي فيليبي ماسا، في سنة تاريخية زيّنها أول سباق ليلي واحتضنته سنغافورة.
فوز هاميلتون حمل أبعاداً كثيرة، وقد شبّهه البعض بانتصار باراك أوباما بسباق الرئاسة إلى البيت الأبيض، لكون البريطاني أضحى أول سائق «أسود» يحرز لقب رياضة الفئة الأولى. كما أصبح هامليتون أصغر سائق متوّج، وجاء انتصاره ليكمّل سنة قياسية في الفورمولا 1، إذ سبقه إلى سجلات الأرقام القياسية الألماني الموهوب سيباستيان فيتيل الذي بفوزه في جائزة إيطاليا الكبرى، أصبح أصغر سائق يحرز المركز الأول في التاريخ.
وعموماً، لم تختلف السنة عن سابقتها، إذ شهدت الفورمولا 1 هزّات إضافية، بدأت مع انسحاب سوبر اغوري الياباني بسبب مشكلات مالية في مستهل الموسم، وانتهت بسير مواطنه هوندا على الطريق عينه متأثراً بالأزمة المالية. أضف عملية شدّ الحبال بين الفرق والاتحاد الدولي لرياضة السيارات «فيا» ومالك الحقوق التجارية للبطولة بيرني إيكليستون، مع الأول بسبب التغييرات التي طرحها، ومع الثاني بشأن توزيع العائدات والأرباح، وهو مسلسل يُتوقّع استمراره في السنة الجديدة.
بدورها، لم تكن بطولة العالم للراليات بمنأى عن الصراع مع «فيا» والتأثر بالأزمة المالية، إذ صُدمت عشية طيّ صفحة 2008 بانسحاب المصنّعين اليابانيين سوزوكي وسوبارو، ما سيضعف بالتأكيد شكل المنافسة التي سيطر عليها سائق سيتروين الفرنسي سيباستيان لوب (صورة 2) الذي أحرز لقبه الخامس.
إنجاز لوب هو الأول من نوعه، فاقتحم الفرنسي عالم أساطير رياضة المحركات ليقف إلى جانب بطل العالم سبع مرات في الفورمولا 1 الألماني ميكايل شوماخر، في الوقت الذي يبدو فيه الدراج الإيطالي فالنتينو روسي في طريقه إلى إكمال الثلاثي الذهبي في أهم 3 بطولات ميكانيكية.
ويحسب «للدكتور» الفائز بلقبه العالمي الثامن في مختلف الفئات، عودته القوية في «موتو جي بي» بعد تقهقره في الموسمين الماضيين لمصلحة الأميركي نيكي هايدن والأوسترالي كايسي ستونر على التوالي، بعدما فرض شخصيته من حظيرة فريقه ياماها الياباني، طالباً تغييرات شبخ جذرية ودعماً إضافياً، وامتداداً إلى الحلبات المختلفة.

انتقال السلطة إلى نادال

أهم ما حفلت به كرة المضرب في 2008 هي سقوط السويسري روجيه فيديرر عن عرش اللعبة تحت ضربات الإسباني رافايل نادال الذي استحق الرقم 1 عن جدارة. فيديرر الذي تراجع مستواه تراجعاً مخيفاً وعانى إصاباتٍ مختلفة، لقي هزيمة مزدوجة، إذ إنّه إلى جانب فقدانه لسطلته بعد سيطرته المطلقة في 2007، انتهى حكمه لبطولة ويمبلدون الإنكليزية التي ارتبطت به طوال الأعوام القريبة الماضية، ففاز «الماتادور» الإسباني باللقب في نهائي تاريخي قالت عنه الصحف العالمية إنه أفضل مباراة في تاريخ المستديرة الصفراء. كما زيّن نادال عنقه بالذهب الأولمبي، لكنه غاب عن إنجاز فريق بلاده الفائز بكأس ديفيس ليكمل دورة ناجحة للمنتخبات الإسبانية المختلفة الألعاب في السنتين الأخيرتين.
أما عند السيدات، فكان الأبرز غياب المصنفة أولى سابقاً البلجيكية جوستين هينان التي اختارت الاعتزال بقرارٍ مفاجئ، لتخلي الساحة أمام الأميركيتين فينوس وسيرينا وليامس، والصربيتين آنا ايفانوفيتش ويلينا يانكوفيتش، مع حضورٍ لافت أيضاً للروسيتين دينارا سافينا وماريا شارابوفا.
وانتهت سنة 2008 لتورث خليفتها بعض الهدوء في ما خصّ الأحداث العالمية الكبرى، لكن ضوضاء الإثارة لن تكون غائبة بانتظار أن تفرز سنة 2009 أبطالاً وأرقاماً جديدة.