مباريات كرة القدم بلا جمهور مثل اللعب في المنام، وأشبه بأكل الهواء. فالجمهور هو روح الملاعب، يمدّها بالحيوية ويدعمها بالمداخيل، ويثير الحماسة والمنافسة التي تجذب الجماهير وتزيد أعداده وتدفعه للاستمرار
علي صفا
كرة لبنان معلّقة مع جمهورها، محرومان من التلاقي، بقرار رسمي بإقفال أبواب ملاعبها للموسم الثالث على التوالي، درءاً للشتائم والشغب كما قيل، وهي حالياً تكرج مخنوقة، وربما مرتاحة، والبعض يسأل عن فتح الأبواب... ولكن كيف؟
قبل شهر، «دفش» رئيس الحكومة وفد اتحاد اللعبة ونوادي الأولى إلى المراجع الأمنية للتنسيق في توزيع المسؤوليات لضبط وضع الملاعب وأمنها.
والقرار لا يزال معلقاً، ولكن لنفترض الموافقة، فكيف سيكون حضور الجماهير؟!
هل يعود الجمهور لمجرد فتح الأبواب، من دون دراسة الواقع الحقيقي وأسباب الهجرة وسبل العودة؟

بداية... واستغلال

الشتائم والشغب يحدثان في ملاعب العالم أجمع، وبحالة أكبر وأخطر بكثير مما جرى في لعبتنا المسكينة، ولكن الفرق يكمن في سبل معالجاته بين بلد وآخر، فلم يقرر بلد إغلاق أبواب الملاعب لثلاثة مواسم إلا في لبنان. لماذا؟ لأن البعض ترك الشغب واستغلّه لأغراض سياسية خاصة ولم يعمل على وقفه جذرياً! (لتحميل المسؤولية لجمهور معيّن لنادٍ وجماعة)، ويظن أنه نجح، فيما الواضح أن الشغب والشتائم يصدران عن جماهير أخرى أيضاً (ومباراة الأنصار الأخيرة أمام الضيف الجزائري وفاق سطيف تأكيد لذلك)!
وأخيراً، بعدما هدأ الشغب السياسي وشتائمه نسبياً، وتحوّل الأطراف جبراً لخوض «دوري المصالحات»، يطالب الكرويون بفتح الأبواب للجمهور، ولكن... لا علاج صحيح بلا توصيف صحيح.

أسباب غياب الجمهور

الاحتقان السياسي والأمني في البلد وفرز شرائح الجمهور، ترك شلل الشغب من بدايتها (حوالى 100 شخص) من دون علاج سريع على المدرجات، ضم نادي النجمة علناً لتيار سياسي فرز جمهوره الوطني الكبير (بعد 40 عاماً من دون سياسة) بين معارض للتيار وموالٍ له، فابتعدت غالبية جمهوره رفضاً وتمرداً، عجز إدارة النجمة المعيّنة والمربوطة سياسياً عن علاج المشكلة سريعاً وحفظ جمهور النجمة الأصيل، إهمال الأطراف المعنية في علاج مسألة النجمة سريعاً لاعتبارات مختلفة، رغم أثرها القاتل على الجميع، تبخّر اهتمام الجمهور باللعبة (انشغال معيشي، تمرد)، والتعويض بالمباريات العالمية تلفزيونياً.

حق العودة... لا كلام

غياب الجمهور، شرّ كالطلاق. فالطلاق سهل والعودة أصعب، والعلاجات تحتاج إلى وصفات... ومنها:
ــ تشكيل فرق أمنية متخصصة لضبط أمن الملاعب، وإعلان ذلك في الإعلام لطمأنة الجمهور، إعلان قمع أي حالة شغب أو «شتم للرموز» علناً أمام الجميع على المدرجات، إطلاق حملة إعلامية لإثارة المنافسات بين الفرق في البرامج المتخصصة، وعبر نجوم اللعبة، تدعيم الفرق بلاعبين محترفين ونجوم جاذبين لرفع المستويات والمنافسات، عمل روابط الفرق في بيروت والمناطق لحشد جماهيرها، وترغيب جيل جديد، توفير باصات لنقل الجمهور من نقاط تجمّع، وإعادتهم، لفترة معينة، دعوات منتظمة لطلاب المدارس، للدخول مجاناً، وكذلك جمعيات نسائية اجتماعية للحضور، دعوة شخصيات جاذبة (فنانين ونجوم محليين وعرب)، نشر دعايات جوالة في المناطق لبثّ المنافسات قبل المباريات، تقديم جوائز للجمهور (سحب على بطاقات الدخول بين الشوطين)، تأهيل قادة أوركسترا (هتافات رياضية) لجمهور النوادي على المدرجات، (ولو بمقابل مادي)، تقديم عروض (قبل المباريات وبين الشوطين) لفرق سيدات، فنانين، قدامى اللاعبين... ، خفض رسوم الدخول لفترة، لحين تعويد الجمهور على العودة وتحسّن الوضع الاقتصادي. وهناك وسائل أخرى طبعاً. وهذا يتطلب ورشة عمل منسقة وتنفيذها عبر لجان عاملة يقودها اتحاد اللعبة.
العمل في ميدان الرياضة لا يكون هوائياً ولا عشوائياً، وإعادة الجمهور إلى ملاعب الكرة لا تكون عبر كلام ودعوات شفاهية لإدارات اللعبة، فالجماهير أساساً لا تهمها معظم الإدارات، ولا من يضللها بتجاهل الحقائق والاعتراف بالأخطاء، وتحميل المسؤوليات للغير!
وكيف يعود الجمهور تحت إدارات تتشكل وتعمل بمناظير سياسية متفرقة ومتنافرة فتفرق الجماهير وتخطف النوادي إلى شباكها؟
وكيف يعود جمهور النجمة خصوصاً، وهو روح اللعبة والملاعب، من دون تحرير النادي من الفخ السياسي الذي فرزه وأضعفه، ليعود إلى صورته الوطنية الشاملة، ولمصلحة رعاته الكرام أيضاً! (لو يعلمون كم أساء إليهم تسييس النجمة وإليها)! وكيف تنتعش اللعبة وهي مسلوبة لمراجع سياسية تفكر بأشخاصها واستغلالها ثم تتركها أسيرة «لتشحد» من مراجع أخرى؟
ألا يستلزم هذا الواقع العبثي «مؤتمراً رياضياً» لدراسة واقع كرة لبنان التي ستنفجر في وجوه الجميع؟ وإلا... فلماذا يستمرون؟


عودة الجمهور تلزمها ورشة

في استطلاع خاص للأخبار مع مراجع لنوادي الدرجة الأولى عن توقع حضور جمهور كل فريق، توقف العدد عند 5400 شخص لمباريات الأسبوع الخمس، عدا نسبة الدعوات المجانية، ولا يمكن اعتماد جمهور الأنصار الأخير بالمجان على الملعب البلدي قاعدةً، ولا نجاحاً في المشاهد النافرة على الشاشات