هي كرة العالم، هو صار قرية، وهي صارت أكبر إمبراطورية تجذب الشعوب والحكام والمال والإعلام. تتابعها الملايين على شاشات تتسابق على كوادر من مذيعين وخبراء ونجوم في سباق لجذب الجماهير... العالقة
علي صفا
يوم رياضي طويل... محطات تنقل مباريات محلية ودولية، استوديوات للتعليق والتحليل... مندوبون على خطوط التماس، وملايين تتابع على الشاشات.
المعلق: فوز ساحق غير متوقع، يا ألله.. مش معقول، الله عليك يا زيد... الله عليك ايش سويّت في الشباك... وانت الحارس ما كنت موفق اليوم... مدري إيش فيه...الله ما وفقك...



مندوب: خسارة قاسية، مرة جديدة، ماذا تقول فيها؟
المسؤول: أقول بس قدّر الله وما شاء فعل، فهمت!
مندوب: كابتن، ألف مبروك على الفوز الباهر، قلبتم كل التوقعات وحققتم المفاجأة، شو تقول؟
اللاعب: الحمد لله... الحمد لله... والله كانوا همّ أفضل منا بكثير لكن ربنا وفقنا اليوم... الحمد لله!
مندوب: كابتن لو سمحت دقيقة، خسارة غير متوقعة، وأنتم أضعتم دستة فرص وركلتين جزاء، شو تحب تقول؟
اللاعب: ياحبيبي بكل بساطة، ربنا اليوم ما وفقنا، لو وفقنا كان لازم نسجل أربعة، لكن ما في توفيييق...



مندوب: كلمة... سمو الأمير... من فضلك كلمة بس عن الخسارة... المدرب واللاعبين.. الحارس... مين الـ...؟
سموه: ما أقدر أقول الحين إلا «أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد»... بس ما عندي أكثر.
المندوب: شكراً سموك على هذي الكلمة. وهكذا أحبائي المشاهدين في الوطن العربي الكبير أينما كنتم، استمعنا إلى باقة من الآراء القيّمة عن لقاء القمة على شاشتكم المفضلة، ونترككم بعون الله مع استوديو التحليل والكباتن في الاستوديو ولكن... بعد الفاصل...



في البيت، لاعب سابق وابنه يتابعان.
الولد: بابا ليش خسروا؟
الأب: كانوا زيّ الزفت، والتشكيلة غلط وعندهم مشاكل، والفريق الثاني سجل عشان كده ربحو. فهمت؟
الولد: يقول الكابتن ربنا ما وفقهم...
الأب: ما وفقهم؟ كانوا زفت ويوفقهم؟



محطة 2(مع منتخب عربي)
المعلق:... خسارة، خسارة بطلها الحكم... الحكم ضدنا، أقولها بالفم الملآن مؤامرة التحكيم مستمرة ضدنا، ربنا على الظالمين، الشكوى لله...خلينا نسمع رأي المدرب من الملعب...
المدرب: وقعنا في أخطاء دفاعية، وضاع لاعبونا بعد الهدف الثاني، فتفوقوا علينا... لا... لا مشكلة في التحكيم، المشكلة عندنا... شكراً.
المندوب: كلام غريب، المدرب الفاشل يبرّئ التحكيم كمان. على كل، الكرة في ملعب المسؤولين...



الولد في البيت: بابا، يقول التحكيم خسّرنا، مش ربنا كمان ما وفقهم؟
الأب: أستغفر الله العظيم. ما سمعت المدرب؟
الولد: سمعت بس... ضعت.



محطة 3/ مدرب محلي: والله حنا تدربنا انشالله، وجاهزين انشالله، حنا نعمل يللي علينا انشالله والباقي على الله..



محطة 4
المعلق: (بصراخ) كسبنا... كسبناهم، الله كبير... الله عليكم... كسبنا بتوع الملايين، معاهم الدولار ومعانا ربنا... صحيح فازوا علينا على أرضنا، لكن أبطالنا عوّضوا هنا.. بإذن الله... الكاس لينا انشالله...



الولد في البيت: بابا إيش يعني انشالله؟
الأب: معناها كبير، لكن هنا... خلينا بس...خلينا في الـ..! هاه خلصنا كرة...يلا نروح الدرس...
الولد: انشالله
الأب: ما فهمت، انت حتدرس ولاّ لأ...؟


التعليق الرياضي

كلام مسؤول لثقافة

الكرة لعبة شعوبنا الأولى، يتابعها الملايين بالصور والكلام. كلام يترك آثاره معرفة وقوانين وثقافة وأدباً عبر مقدّمين ومعلّقين ومحلّلين ومندوبين وإعلاميين ومسؤولين. كلام يترك آثاره على الحضور والناشئة في المجتمع، ليكوّن ثقافة تتفاعل يومياً بين شرائح الوطن. لذا كان التعليق كلاماً مسؤولاً وخطيراً يوجب اختيار أصحابه، وخصوصاً على الشاشات العربية. فكلام التعليق والتحليل والآراء قد تهرّب جماهير اللعبة المثقفة، فتضرب اللعبة وتضع الناشئة في ثقافة متخلّفة.
التعليق الرياضي كلام «يضفي على الحدث المنقول فائدة ومتعة»، ولكنه قد يتحول إلى نقمة، ينفّرك أو«يكفّرك»، فتستمتع باللعب وترفع الصوت أو تكتمه قرفاً من الجهل والانحياز والعواطف الفارغة أو تعابير في غير مكانها... تُفرض عليك، وتمّس «الخالق».
موضوع قد يزعج البعض، لكنّه حتماً... يُرضي الخالق.