لا يمرّ أسبوع تقريباً من دون أن تتوارد أنباء سوداء تفيد عن استمرار حصد الموت للاعبي كرة القدم من مختلف الأعمار، في ظاهرة مخيفة بدأت تأخذ مكانها بقوة في الملاعب وتتصدّر مشاريع الباحثين في مجال الطب، الذين دخلوا في منافسة قوية، لكن مع خصم من نوع آخر، فازوا عليه حتى الآن في جولات معدودة محققين انتصارات معنوية إثر نجاحهم في إنقاذ حياة البعض بشكل أشبه بالمعجزة
شربل كريّم
شهدت الأعوام القريبة الماضية، وصولاً إلى السنة الحالية، فقدان الكثير من لاعبي كرة القدم حياتهم على أرض الملعب، والسبب الأساس أزمة قلبية قاتلة لا تعطيهم فرصة ثانية للنهوض. لطالما عُرفت اللعبة الشعبية الأولى في العالم بخطورتها على الصحة، لكن ليس على صحة أولئك اللاعبين الذين يتمتعون بمستوى بدني استثنائي، بل كان التصويب على أولئك المشجعين الذين يعانون مشاكل صحية، في القلب تحديداً، فتودي بهم الحماسة المفرطة أو الحزن الكبير لخسارة فرقهم إلى مثواهم الأخير.
إلا أن المستديرة الساحرة تحوّلت العدو الأول لبعض من أولئك الذين أحبوها حتى العبادة منذ الصغر، فحطّمت قلوبهم امام الجميع من دون أن تعير أي اهتمام للمجهود الذي بذلوه من أجلها.
صحيح أن لائحة الضحايا الذين لقوا حتفهم خلال المباراة أو بعدها أضحت طويلة وطويلة جداً، لكن في الأعوام العشرة الأخيرة كان هناك 11 لاعباً محترفاً (عدد لاعبي فريق كامل على أرض الملعب) ودّعوا المستطيل الأخضر مبكراً، ابتداءً من أفضل لاعب عربي، التونسي الهادي بن رخيصة، عام 1997، مروراً بالكاميروني مارك فيفيان فوويه عام 2003 (صورة 1)، ووصولاً إلى الإسباني أنطونيو بويرتا عام 2007 (صورة 2)، الذي لحق به بعد ثلاثة أشهر فقط الأسكوتلندي فيل أودونيل فخطفه الموت حارماً إياه من تحديد مصيره بنفسه بعدما كان حدّد نهاية الموسم موعداً لاعتزاله اللعبة.
طبعاً، لم يخدم الحظ هؤلاء كما فعل مع المدافع الفرنسي الشهير ليليان تورام الذي كان حتى الأمس القريب يدافع عن ألوان برشلونة الإسباني، أحد أشهر الأندية في العالم، لكنه أراد العودة إلى بلاده للعب مع ناد محلي، فكانت المفاجأة عشية انضمامه إلى باريس سان جيرمان، إذ اكتشف الأطباء خلال الفحص الطبي الروتيني وجود تشوّه في القلب عند بطل مونديال 1998 وكأس أوروبا 2000، الذي سرعان ما أعلن اعتزاله خوفاً من أن يلقى مصير شقيقه الذي توفي في مباراة كرة سلة وتبيّن بعدها أن السبب مشكلة مشابهة!
نجم آخر كادت تفقده الملاعب أواخر تشرين الأول الماضي هو بطل أوروبا الإسباني روبن دي لا ريد الذي سقط مغشياً عليه خلال مباراة مع فريقه ريال مدريد ضد ريال يونيون في كأس إسبانيا، وهو سيبتعد عن النشاط الكروي حتى نهاية الموسم بحسب ما أفاد ناديه من دون أن يعطي تفاصيل إضافية...

ماذا يقول الأطباء؟

التشخيص الطبي في هذه الحالات يتشابه في معظم الأحيان، إذ يفسّر الأطباء الموت الفجائي للاعب يتمتع بلياقة بدنية عالية، بعجز في عمل القلب أو مشكلة في عضلاته، ما يؤدي إلى اضطرابات في انتظام الضربات، وبالتالي إلى توقف عمله، تماماً كما حصل مع بويرتا الذي صارع الموت لمدة ثلاثة أيام قبل أن يتمكن منه الأخير، فاللاعب الذي كان يفترض أن يكون مع منتخب بلاده محتفلاً باللقب القاري الصيف الماضي، تحوّل إلى صورة على قميص ارتداه زميله سيرجيو راموس تخليداً لذكراه في اليوم الكبير الذي نصّبت فيه إسبانيا نفسها بطلةً للقارة العجوز.
الموت الفجائي يصيب غالباً الرجال دون الـ40 من العمر، وهو ناتج من توّقف فوري لعمل القلب إثر مجهود شاق، لكن الأمر المقلق أنه لا ينذر عبر عوارض سابقة، لذا فإن الرياضيين الذين تظهر الفحوصات الطبيّة عدم وجود أي خلل صحي في بنيتهم معرّضون أيضاً للخطر، وخصوصاً أن الاختبارات الروتينية المعتمدة حالياً في عالم الطب ليست كافية لاكتشاف حالات مماثلة التي يمكن أن تظهر فقط في اختبار خاص للكشف عن أمراض وراثية متصلة بهذه المسألة.
إلا أن هذه النقطة لا تعدّ قاعدة نهائية، لأن الفحوصات العادية كشفت حالات، مثل النيجيري نوانكو كانو والسنغالي خليلو فاديغا والعاجي داغي باكاري، وهؤلاء خضعوا لعمليات جراحية وعلاج ثم تابعوا نشاطهم الكروي طبيعياً.

تحرّك العالم الكروي

إذاً قضية سقوط ضحايا على أرض الملاعب ليست لغزاً، لكنها تبقى حاضرة بقوة رغم «مقاومة» الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» لها، والسبب بكل بساطة لأن الفوتبول هي الرياضة الأكثر ممارسة حول العالم، وقد تحوّلت في عصرها الحديث أكثر قساوة لناحية وفرة المباريات والتمارين بشكلٍ يفوق قدرات جسم الإنسان، إضافةً إلى دخولها في الزواريب المظلمة، وتحديداً الخاصة بالمنشطات، إذ قيل أحياناً إن أنواعاً جديدة منها جُرّبت على اللاعبين، وكانت السبب في وفاتهم، لكن هذا الأمر ظل من دون إثبات ملموس.
وفي الوقت الذي بقيت فيه الشكوك كثيرة حول أسباب هذه الظاهرة القاتلة، بدت الحلول ضعيفة أمام المشكلات المعقّدة، لكن لا يخفى أيضاً أن بعض الحالات ساعدت في إطلاق حلول موقتة من جانب القيّمين، إذ إن نجاة بعض اللاعبين من المصير الأسوأ أعطى دروساً في كيفية إمكان صدّ الموت، ولعل المثال الأبرز كان في فرنسا مطلع السنة حيث تعرّض لاعب نيور (درجة ثانية) ماركو راندريانا لأزمة قلبية، لكنه نجا بعد استخدام ناجح لجهاز طبي يرسل صدمات كهربائية فأعيد إلى الحياة.
ولم تتأخر وزارة الصحة ووزارة الشباب والرياضة في المطالبة بإصرار على حضور الجهاز المذكور في جميع الملاعب الرياضية، وخصوصاً بعدما أشارت دراسة محلية إلى أن 400 إلى 500 رياضي يموتون سنوياً بسبب توقف مفاجئ لعمل القلب.
وسرعان ما أعطت هذه الخطوة مفعولاً إيجابياً، إذ أفلت مدافع فالنسيان دافيد سوماي من الموت في آب الماضي بعدما سقط مغشياً عليه خلال التمارين، فاستخدم الأطباء الصدمات الكهربائية لإنعاشه قبل نقله إلى المستشفى، فهذه الآلة تمنح أكثر من 70 في المئة من الأمل للنجاة إذا استُخدم فور وقوع الحادثة.

بحث مستمر وأسباب جديدة

البحث عن الحلول لا يزال مستمراً على قدم وساق حول العالم، وبرز مؤتمر طبي في إسبانيا يدعو إلى إيجاد آلية لاختبارات متطوّرة يمكنها أن تحدّد مسبقاً مدى إمكان إصابة أي رياضي بالموت الفجائي، أو تكشف التحوّلات الجينية التي تجعل الخطورة تحيط بحياة أحدهم.
إلا أن الخبر الصاعق جاء من إيطاليا بعد ظهور أسباب إضافية يمكنها أن تودي بلاعبي كرة القدم دون سواهم إلى الهلاك، بسبب أزمات قلبية خلال مسيرتهم أو بعدها، إلى أمراض تضعفهم وتشلّهم قبل أن تقضي عليهم.
51 لاعباً من المحترفين والهواة لقوا حتفهم بسبب الأسمدة الكيميائية التي تستعمل في الاعتناء بعشب الملاعب، والتي أفيد بأنها تصيب الإنسان بأمراض عصبية تؤدي إلى الشلل التام كما حصل تماماً مع مهاجم ميلان الدولي السابق ستيفانو بورغونوفو.
وضمن التحريات المستمرة، يفيد الإيطاليون بأن الاستخدام المفرط للأدوية المضادة للالتهابات أدت إلى بعض الحالات، وخصوصاً بين لاعبين دافعوا عن ألوان أندية إيطالية لخمسة مواسم متتالية بين ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
أما التأكد الجزئي من التأثير السلبي للأسمدة الكيميائية التي تصيب اللاعبين بأمراض قلبية وخبيثة، فظهر عبر إصابة المولجين بالاهتمام بأرض الملاعب بالأمراض نفسها التي لاحقت بعض اللاعبين الذين مروا في الكرة الإيطالية وينتمون إلى الجيل نفسه!
إذاً القاتل الصامت يلاحق اللاعبين الذين ربما يتساءلون اليوم إذا كانت كل تلك الأموال الكثيرة التي يجمعونها ستذهب لمقاومة مرض سيقضي عليهم، إذ قد لا تعد ممارسة الرياضة مفيدة لصحة الإنسان، وقد يتحوّل عشق ممارستها إلى سمّ قاتل فتأخذ الأمور منحى آخر وتعود إلى الأذهان المقولة الشائعة «ومن الحب ما قتل».