راح رمضان الفضيل، وراح العيد السعيد، فاستفاد مَن استفاد وخسر مَن خسر، وحان الكلام على المشاهد التي مرّت على رياضاتنا وملاعبنا ومطاعمنا وموائدنا، ولم تغب أصداؤها بعد...

علي صفا
نشاط رياضي كاسح شهدناه، في الأيام الماضية، عمّ لبنان بكل الأشكال والألوان، وفي كل المناسبات والتسميات: أحزاب، نواد، سفارات، جمعيات وجماعات شعبية ودينية ومدنية، نواب ومرشحون وسفراء، عملاء، أسماء وأسماء... كلّهم هجموا لغزو الرياضة وملاعبها... ليخطف كل واحد منهم ما يريد بمنظار ومخالب سياسية ــــ طائفية ــــ دينية. وقليل قليل كان ناشطاً بصفاء رياضي بحت.
نشاط كاسح، سجّل رقماً قياسياً عالمياً في استغلال الشهر الفضيل، وحطّم معظمه مبادئ الرياضة الأساسية وشرعتها الأولمبية التي تفرض فصلها تماماً عن الصبغات السياسية ــــ الطائفية والعرقية، وعن كل استغلال غير رياضي. نشاط كاسح.. فيما كانت حركة رياضاتنا الرسمية شبه مشلولة، لولا حركة التركيبات لانتخابات الاتحادات المقررة خلال أسابيع، ويشهد معظمها معارك مغمّسة بالمداخلات الطائفية ــــ السياسية وقليلاً من الحياء الرياضي.
نشاطات ودورات ملأت صفحات الرياضة بأخبارها وصورها، وبيانات وخطابات وإفطارات...توّجتها تجريحات وشتائم، كرمى للشهر الفضيل.

أسماء.. أسماء.

وشهدنا جميعاً هجوماً كاسحاً في الدعوات إلى موائد الإفطار الكريمة، بحضور شخصيات ومسؤولين ورياضيين ووسائل الإعلام طبعاً.
دعوات باسم أحزاب وأطراف تشرّفنا بمعرفتها ولجانها العظمى ودعواتها: لجان أحزاب وتيارات وحركات دينية وسفارات.. كلها تدعو وتدعو وتدعو...
وسفارات معادية تلتقي فرقها بكل براءة في ملاعبنا، تحت خيام السلام والمحبة والوئام في بلدنا المضياف، بعيداً عن أجهزتها المتصارعة والمفجّرة! ولا سيما سفارات كبرى تنشط برعاية سفرائها مباشرة، بعدما أمّنوا للبنان سيادته واستقلاله وحريته، ورعوا «تحريره» بكل أنواع أسلحة الدمار في الحرب على لبنان. كلهم نشطوا في الشهر الفضيل لخدمة رياضة الوطن والشعب والأمن، وتسابق معظمهم لاختيار مراكز ــــ مطاعم أكثر بورجوازية لتشريف مراجعهم، في عز شهر الفقراء.
ويجتمع الشمل من شرائح البلد، بحضور نواب وسياسيين (مفاجأة السهرات!) لإلقاء بيانات وكلمات تذكّر بإنجازات، وتلكز ذاكرة الحضور المفخوتة «كي لا ننسى»، وسط تصفيق واجب يليق بالدعوة، وحضور حاشد من مندوبي وسائل الإعلام التي يمثّل معظمها «الحياد المزيّف».
وهكذا، يحضر الكلام السياسي المباح بكل أهدافه، وتغيب قضايا الرياضة الوطنية تماماً، ومشاريعها المستقبلية، فتكون الشهيدة الغائبة عن الحضور الحاشد.
قيل «عند البطون تضيع العقول». ولكن «عند السياسة تضيع الرياضة»، فكيف يهضمها الآكلون؟
وحول موائد الكرام تطرح أسئلة: لماذا يُدعى السياسيون إلى موائد الرياضة؟ ولماذا يلقون كلمات؟ ولماذا تنشر البيانات والخطب الحزبية والانتخابية حولها؟ وما علاقة السفارات والسفراء بالفرق الرياضية؟ وتحت أي قوانين شرعية؟ وإلى متى تبقى انتهاكات الشرائع الرياضية مستمرة دون ضوابط؟ وما هو دور المراجع الاتحادية والأولمبية في كل هذا؟.. وما هو دور الإعلام الحر الوطني في وقف هذه المشاهد المخزية... غير الحضور وشهود الموائد؟
وما هو دورنا جميعاً في استباحة الرياضة في هذا البلد المستباح؟


خرق فاضح لرياضة لبنان

تركز قواعد الشرعة الأولمببية والأنظمة الرياضية الداخلية على حصر الرياضة بعيداً عن الصراعات والتسميات العرقية والدينية والسياسية والعنصرية، وكل ذلك ينتعش في ملاعبنا بخرق فاضح، فيما الإعلام يشارك بكل سرور، والمراجع المسؤولة شاهدة دون وضع ضوابط تذكر